الكتاب.. قصة حضارة

رفيف
00:02 صباحا
قراءة دقيقتين

كلّما وقعت على كتاب قديم أو قرأت عنه، أتوجه إلى صورة تخيّلية عن زمن المطابع قبل مئات السنوات، وكيف كان يتم إخراج الكتاب، وكيفية صنع الغلاف، ثم القطع، وحجم الحرف، ونوعية الورق والحبر، وإلى آخر هذه القصة الرائعة في الصناعة القديمة للمعرفة.

يخبرنا الباحث السويدي يلمار فورش عن كتب من هذا النوع، تثير الفضول وتعمل على تنشيط المخيلة الجمالية في نهاية الأمر. «تقرير من المنجم» كتاب يتحدث عن المعادن وصهرها وتحويلها من مادة خام إلى أدوات وحتى تحف، نشر في عام 1617 ومؤلفه باحث يدعى غيورغ انجلهارت، وثمة كتاب آخر طبع في عام 1578 ليوهان ماتيسيوس بعنوان: «جبل بوستيلا»، وفي عام 1690 طبع كتاب بعنوان «ميتالو رجيا الزجاج المصقول ومؤلفه: (بلتاسر روسلر».

تلك كتب كانت عن التعدين، عن الحديد والفضة والنحاس، لكن كان في عروقها، إن جازت العبارة، ما يُقرأ بعين شعرية، إذا أراد القارئ هذا النوع من القراءة.

على صعيد الفلسفة (شقيقة الكيمياء والخيمياء)، كما تستنتج من كتاب «حدود المادّة»، ربما تُفاجأ إذا عرفت أن مجلة متخصصة كانت تصدر بعنوان «مراجعات فلسفية» عن الجمعية الملكية في السويد، وكان ذلك في عام 1704.

بحسب جينيفر مايكل هيكت، أخرجت مطبعة غوتنبرغ أوّل كتاب مطبوع «الكتاب المقدّس»، وكان ذلك في عام 1453.

مئات الأعوام بيننا وبين صناعة الكتب، وكان أرباب تلك الصناعة يُسمَّون الكتيبة، والورّاقين، والنسّاخون، والمكتبجية، والمطبعجية، واليوم هم الناشرون أصحاب شركات عالمية كبرى عابرة للحبر والورق. والكتاب الذي يحبّه قلبك، ولا تجده عند الورّاق، تجده على الكمبيوتر، وبكبسة صغيرة تحوّله إلى ورق. قصة طباعة الكتب مثل «قصة الحضارة» لويل ديورانت وزوجته، بل هي الحضارة، من المعادن إلى الأدب إلى الجسور والقلاع والأسوار، لكن هناك ما هو شعري في هذه القصة، أي الصناعة نفسها، وقبل صناعة الكتاب، كانت صناعة الحبر والورق، أما غلاف الكتاب فهو فن في حد ذاته، من التجليد، إلى الزخرفة، والتذهيب، والتوريق، وإلى آخر هذه الجماليات التي لا تولد إلاّ من مخيلة شاعر.

اشتغل الشعراء في صناعة الكتاب، لكن الكثير منهم لم يحالفه الحظ في هذه الحرفة الورقية الجميلة، كما لو أنها حرفة مقسومة بالعدل منذ البداية: المؤلف يكتب، والناشر يطبع، والموزّع يبيع، وقبل سنوات دخل على الخط ما يُسمى «الوكيل الأدبي» الذي يتولى الكتاب من المطبعة، وحتى المكتبة.

صناعة أجمل من الصناعة بمعناها المادّي، وهي أيضاً تجارة أجمل من التجارة بمعناها النفعي، وفي كل الأحوال، كلّما تتأمل كتاباً بغلاف جميل، تشعر بأنك أمام لوحة أو عمل فني فيه شيء من قصة الحضارة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ycxeptnu

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"