نشاز في تاريخ الموسيقى العربية

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

هل يمكن أن تغيّر الحضارة أثوابها الثقافية؟ من ذلك، هل تنقلب على ثقافتها؟ هل تتجرّد من فكرها، من ذوقها؟ هل تغدو فنونها مجرّد قميص أو موضة، تقتني غيرها، أو يُفرض عليها غيرها قسراً؟ قد تكون طريقة التقديم تنقصها اللباقة واللياقة، لكن في الصراحة راحة.

هذا التمهيد في محلّه، لأنه يناسب الدخول إلى ميادين شتى، فالحضارة لها ألف بوّابة، وإن كان باعث الموضوع هو: كيف انقطعت الجسور بين الموسيقى والفلاسفة والأطباء وعلماء الرياضيات والفلك في تاريخنا الحديث؟ لماذا حدث هذا الانهيار الثقافي الحضاري، عندما سقطت إمبراطورية الحضارة الإسلامية؟ من الضروري الوقوف بعكوف على تغيّر النظرة الجادّة إلى الموسيقى، مئة وثمانين درجة، فمنذ هبّة مؤتمر الموسيقى العربية في القاهرة سنة 1932، لم يتحرك ساكن يذكر، لم تتدفق تيارات تجاوبت فيها الرياضيات والفيزياء والفكر والموسيقى. الموسيقى التي هي رياضيات في إيقاعاتها، وفيزياء في تردداتها وذبذباتها وموجاتها الصوتية، باتت بينها وبين العلماء والمفكرين جفوة ولا مبالاة إلى حدّ القطيعة.

لك أن تقول: أين ذهب ميراث الخوارزمي، الذي يتردد صيته وصداه في الجهات الأربع، حيثما ذُكر الذكاء الاصطناعي؟ هذا الرجل خصّص في كتابه «مفاتيح العلوم»، العنوان ذاته أوركسترا، الباب السابع، وفيه ثلاثة فصول في الموسيقى: في أسماء آلات الموسيقى وما يتبعها. في جوامع الموسيقى. في الإيقاعات المستعملة.

المسألة الثقافية المهمّة، وهي أن الكتب التي ألّفها الفلاسفة والعلماء في الموسيقى، في الحضارة الإسلامية، أهمّ بكثير من حيث القيمة، من كل ما أضيف إلى المكتبة العربية في القرنين الأخيرين، لأسباب موضوعية منطقية. قبل كل شيء، تأتي مكانة أولئك الأعلام وموسوعية معارفهم في الحضارة الإسلامية. في التاريخ المعاصر، للأسف، برز هنري جورج فارمر، والبارون ديرلانجيه، في كتابة تاريخ الموسيقى العربية، أكثر ممّا برز أبناء الأمّة في هذا المضمار.

أليس ما حدث انقلاباً على التاريخ الثقافي الحضاري وتجاوزاً للجذور؟ يبدو أن السبات كان أثقل من عميق، وإلاّ فإن القرون الثلاثة في التاريخ الحديث أنجبت خمسة وعشرين ألف مؤلف للموسيقى السيمفونية، من بينهم ألفان وخمسمئة مؤلف أوبرا، ومع ذلك أبت الموسيقى العربية الانفتاح على الفن الموسيقي الجاد، بالاستفادة لا الاستلاب. فرصة الأوبرا في افتتاح قناة السويس لم تكن مؤثّرة، ومؤتمر 1932 كان صيحة في واد.

لزوم ما يلزم: النتيجة الموسيقية: اليوم، إعادة الدوزنة ضرورة، لعلاج النشاز.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2mkez95s

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"