32 عاماً على مذبحة صبرا وشاتيلا

03:18 صباحا
قراءة 4 دقائق
بدأ بعض النشطاء من أنحاء العالم، يتوافدون على مخيم صبرا وشاتيلا الفلسطيني في بيروت، كما اعتادوا أن يفعلوا سنوياً، حيث يزورون ساحة الشهيد في شاتيلا، وبعض مخيمات اللاجئين الفلسطينيين الأحد عشر في لبنان .
إن الزائرين هذه السنة وجدوا المخيمات مزدحمة فوق ازدحامها المعتاد، حيث انضمّ إليها هذا العام معظم اللاجئين الفلسطينيين الذين أرغموا على الهرب من القتال في سوريا، وعددهم 90 ألفاً . ففي الشهر الماضي وحده، فر 378 فلسطينياً آخرون من مخيم اليرموك، أكبر المخيمات في سوريا، بسبب الاشتباكات بين القوات الحكومية والمعارضة . علماً بأن مَن جاؤوا في الآونة الأخيرة، اضطروا للتوجه إلى تركيا، لأن لبنان، يحظر الآن دخول الفلسطينيين الهاربين من العنف في سوريا .
وقد ازداد عدد سكان المخيمات الفلسطينية في لبنان- التي أنشئت أثناء النكبة قبل 66 عاماً، وكان القصد منها في البداية أن تكون مؤقتة- بنسبة 400% عبر السنوات، وهي تفيض اليوم- بالمعنى الحرفي- بما يقارب ربع مليون من الفلسطنيين والسوريين اليائسين .
إن الضيوف العالميين يأتون إلى لبنان في هذا الوقت من كل عام لإحياء ذكرى المدنيين الذين يقارب عددهم 3500 شخص، والذين ذُبحوا أو "اختفوا" في المذبحة التي دبرها وأشرف على تنفيذها الجيش "الإسرائيلي" بقيادة أرييل شارون .
ومع أن مجزرة صبرا وشاتيلا تشكل حدثاً تاريخياً بارزاً في أذهان الكثير من الناس، فإنها لم تكن في واقع الأمر إلاّ واحدة من أكثر من 60 مذبحة جرت ضدّ المدنيين الفلسطينيين في سياق مشروع استعماري استيطاني بدأ في القرن التاسع عشر، وما زال منفذوه يحتلون منازل وأراضي مسروقة .
وإضافة إلى ذلك، ارتكبت "إسرائيل" أكثر من عشر مذابح في لبنان، بينها اثنتان في قانا (1996-2006) ومذبحة ثانية في الحولة (2006) إضافة إلى المذبحة الأولى عام 1948 وتم توثيقها جميعاً على أيدي باحثين دوليين، بينهم بعض "الإسرائيليين"، بينما تم توثيق بعضها من قِبل وكالات الأمم المتحدة، والمنظمات غير الحكومية . إن الناشطين الدوليين المؤيدين للحق الفلسطيني، والذين يصلون تباعاً، سوف يلتقون منظمات فلسطينية غير حكومية، ويستمعون إلى روايات شهود عيان من غزة، بعضهم من مستشفى غزة، الذي كان في قلب المعمعة أثناء العدوان الصهيوني الأخير، كما يستمعون إلى تقرير عن اللوبي "الإسرائيلي" الأمريكي، الذي يَعتبر قتل عشرات الأطفال الفلسطينيين مجّرد "أضرار جانبية" .
"إن ما فعله "الإسرائيليون" في غزة لم يكن أضراراً جانبية" لأن معظم التحليلات التي تردنا، تؤكد أن كل قائد "إسرائيلي"، ممن أمروا بشن هذه العمليات في غزة، كان يعلم جيداً، قبل إطلاق أول صاروخ أو قذيفة دبابة، أن ثلثي ضحايا هذه ''العمليات''، سيكونون من النساء والأطفال . وتلك في رأيي، جريمة نكراء . . والإدعاء بأن الإصابات بين النساء والأطفال، "أضرار جانبية"، ما هو إلا هُراء، يُغذى به الجمهور الأمريكي والكونغرس" .
إن الوفود الزائرة، ستقوم بجولة في المخيمات الفلسطينية، بما في ذلك زيارة أبعد المخيمات عن فلسطين، وهو مخيم نهر البارد، في الشمال بالقرب من طرابلس، إضافة إلى أقربها من فلسطين المحتلة، في الجنوب، وهو مخيم الرشيدية، الذي قاوم بشراسة في سبعينات القرن الماضي، الاحتلال الصهيوني الذي لا يبعد سوى بضعة كيلومترات .
وسيكون على جدول الأعمال، الالتقاء بساسة محليين، إضافة إلى ممثلين عن المقاومة بكل أطيافها .
ومن بين أبرز نشاطات الأسبوع، لقاء مع عائلات الناجين من مذبحة صبرا وشاتيلا . . وكثيراً ما يشتمل المهرجان الشعبي الضخم على عناقات ودموع في ساحة الشهيد على أطراف شاتيلا . حيث تحتضن الأرض، في المكان الذي يجري فيه الاجتماع، أشلاء مئات المدنيين- من رجال ونساء وأطفال- فلسطينيين ولبنانيين وأجانب- ممّن ذُبحوا أثناء المجزرة التي دامت 43 ساعة متواصلة، والتي ارتكب جزء منها أثناء الليل على ضوء القنابل "الإسرائيلية" المضيئة .
ولكنّ ما لن يتقصاه معظم الحضور، ولن يعلموا بوجوده على الأغلب، هو الغضب والإحباط المتزايدان في المخيمات، وخاصة بين الشباب . فالفلسطينيون واعون سياسياً، ويملكون مهارة خاصة في التمييز بين مَن يدّعون مناصرة المقاومة دون أن يفعلوا شيئاً، ومَن يؤازرونها بصدق وإخلاص .
إن تاريخ الحرية وحقوق الإنسان، هو تاريخ المقاومة . فالمقاومة، ولا شيء سواها- وبألف شكل إذا لزم الأمر- هي التي تحقق العودة التامة لأصحاب فلسطين الشرعيين . وليس واضحاً في لبنان، مَن سيبذل جهداً أصيلاً لدعم تلك المقاومة وذلك الصمود، ويُحقق للاجئين الفلسطينيين حقوقهم الأولية، في البرلمان خلال الشهور المقبلة .
ولكن ما هو مؤكد، أن المقاومة سوف تستمر . . لأنها مقدسة، ولأن الأرض لا تكفّ عن التلويح من بعيد، لمن عانوا التشريد وذلّ الاحتلال . وكما عبّر عن ذلك، المفكر الفرنسي فرانز فانون، (1925-1961) "فإن أهمّ قيمة جوهرية لدى الشعب المستعمَر- لأنها الملموسة أكثر من غيرها- هي الأرض أولاً وقبل كل شيء: الأرض التي تجلب له الخبز، وتحفظ عليه الكرامة، فوق كل شيء" .


فرانكلين لامب
* استاذ زائر في القانون الدولي، في كلية الحقوق بجامعة دمشق (موقع كاونتربانش)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

مقالات أخرى للكاتب