“الوظيفة” ضرورة نسائية لإبعاد شبح العنوسة

تسعى إليها السوريات بدأبٍ
12:23 مساء
قراءة 5 دقائق

تسعى الفتاة السورية هذه الأيام وراء الحصول على وظيفة، حيث أصبحت من أولويات الحياة بالنسبة لها، وستضمن بها زواجها ومستقبلها، ولا يهم بالدرجة الأولى مكان العمل والأجر، ولكن الأهم أن الراتب سيزورها آخر الشهر، بالإضافة لتغيّر متطلبات الشاب السوري في شريكة الحياة إذ حلت الموظفة في سلم الأولويات عنده للموافقة على الارتباط.

هذه الوظيفة التي كانت من وجهة نظر الشاب أمر غير محمود لفترة طويلة من الزمن، حوربت فيها المرأة العاملة حينها بكل الوسائل، لكن الضغط المادي وقلة ما في اليد وصعوبة العيش، جعلت الكثير من العادات يتغير وفق الظروف.

تتباين الآراء حول عمل المرأة، ونزولها بقوة لتنافس الرجل في أماكن ظلت لعهود طويلة محرمة على المرأة، لتستقل بها مادياً وإن رغبت اجتماعياً، ولتمتلك بقوة ناصية أمرها، الأمر الذي وجد فيه الرجل السبب في خروج المرأة عن سيطرته حيث جعلها العمل تقف كند لا يستهان به، ولتكون من ناحية أخرى سبباً من أسباب بطالته، فماذا تقول المرأة دفاعاً عن اتهامات الرجل؟

كانت هند زينة تشعر لفترة من الزمن أنها خارج أحلام الشباب، لأنها لم تحصل على عمل بعد، فالموظفة سرعان ما تفوز بعريس لقطة وفق قناعاتها الأمر الذي جعلها تسعى مع أهلها للحصول على وظيفة وهو ما تحقق لها في مقهى راقٍ، ولا يهم عندها نظرة الآخرين أنها مجرد نادلة، فالأهم أنها مستقلة مادياً وتصرف على نفسها وتنافس الحاصلات على الشهادة براتبها وبمواصفات العرسان الذين يتقدمون لها لأن راتبها ينطمع به.

لكن الغريب أن تقبل الفتيات الجامعيات بالعمل في أماكن لا تليق بشهاداتهن ولفترات طويلة فقط للحصول على المال وإن كان زهيداً، وليقول الناس انها موظفة، تعلق وعد العلي التي تعمل سكرتيرة لطبيب اختصاص نسائية بدوام يبدأ من الساعة العاشرة صباحاً وحتى التاسعة مساءً بمبلغ لا يتجاوز الأربعة آلاف ليرة سورية، وتبرر ذلك بقولها: على الأقل أحسن من الجلوس في البيت أو صرف كل وقتي بين أروقة الجامعة ولدى سؤالنا عن كيفية متابعتها لأمور دراستها إن كان كل وقتها تقضيه في الوظيفة أجابت أنا أستعين بزميلة لي تؤمِّن لي كل المحاضرات، وبدوري أدرسها في العيادة في أوقات الفراغ أي في وقت الظهيرة حيث تكون أعداد المرضى قليلة.

أما فردوس سويد فتقول: أعمل في محل بيع إكسسوارات الموبايلات وصحيح أن دوامي طويل وأجري زهيد لكني سعيدة بهذا العمل أقله أصرف على نفسي ولا أتحمل جميلة أحد مهما كان واسمي موظفة أينما كنت أعمل المهم أني أتقاضى ما يسمى بالراتب الشهري ولا أخفيك سراً إن قلت إن نظرة الناس لي اختلفت بعدما حصلت على هذا العمل إذ أصبح الشباب يفاتحونني في الزواج، وبدوري آخذ كل الوقت للتفكير، وكنت قبل العمل أتمنى أن يفتح معي أي شاب موضوع الارتباط، وعن تعليلها لهذا التغير، قالت: الزواج دفعنا للعمل بسبب توجه الشباب للارتباط بفتاة موظفة، لتعينه في المصاريف التي لم يعد يقوى على حملها وحده، فالحياة غالية، ومتطلبات العيش أقوى من قدرة الشاب وحده، لذا نحن مضطرون لقبول العمل أياً كانت ظروفه .

أما سوسن خليل فتقول: أصبح العمل هدف كل فتاة سورية، بل حلمها الذي يداعب خيالها حتى حصولها عليه، ففيه ترى شخصيتها واستقلالها وبه تكسر النظرة المؤطرة للمرأة والتي تتلخص بكونها منكسرة تستجدي لقمتها وهندامها من الرجل بداية من الوالد والأخ وانتهاءً بالزوج والابن، لذا كان لزاماً عليها الانصياع للرجل أينما حل فهو معيلها لذا وجب عليها إطاعته في كل أمور حياتها، فالعمل حقق للمرأة الشيء الكثير من تنميتها واستقلالها الاقتصادي والاجتماعي، صحيح أن نسبة العنوسة في ازدياد في كل المجتمعات العربية على الرغم من إقبال الشباب على الزواج من موظفات، لكن الفائدة كبيرة للمرأة إن تزوجت أم لا وهو الحصول على راتب تعيش به من تعبها من دون تحمل منة من أحد، صحيح أني أعمل في محل لبيع الخضراوات والفواكه على الرغم من حصولي على شهادة معهد متوسط، لكن العمل الشريف لا يعيب المرأة حتى وإن كان الراتب زهيد.

وفي الوقت الذي اختلفت فيه كل الأمور بالنسبة للشاب فمن رافض لعمل المرأة ومحارب له إلى ساعٍ للاقتران بالمرأة الموظفة، وكل ذلك بسبب غلاء المعيشة الذي لم تعد فيه اليد الواحدة تصفق وكذلك الاثنتان في أغلب الأوقات، ولكن الكحل أفضل من العمى والعمل بأجر زهيد أفضل من لا شيء فماذا يقول المقبلون على الزواج.

يعلق غدير محمود قائلاً: أمام ضغوطات الحياة، أصبح اقتران الشاب بفتاة غير موظفة ضرب من الجنون فهو لا يستطيع القيام بالحمل وحده، إضافة إلى أننا نعيش في عصر بات عمل المرأة فيه شيء ضروري ليس من أجل الراتب فحسب وإنما من أجل اكتساب الخبرات فالاحتكاك بالآخرين ينعكس إيجابياً على طريقة تربية الأولاد ففي عصرنا هذا أصبح عملها ضروري جداً من اجل نجاح الحياة الزوجية بشكل عام وليس من اجل الراتب فقط.

وإن كانت النسبة العظمى من الشباب السوري تفضل الاقتران بفتاة موظفة إلا أن هناك نسبة لا يستهان بها من الشباب يفضلون أن يكونوا سي السيد في المنزل فلا يعلو صوت على أصواتهم ولا يشاركهم أحد في قراراتهم مهما كان هذا الأحد ولو كانت الزوجة وشريكة الحياة.

يقول نضال أحمد لا أريد لزوجتي العمل وبالأصح لا أسمح لها فالمرأة خلقت للبيت وتربية الأولاد فإن كنت سأسمح لها بالعمل خارج المنزل فلمن سأترك مسؤولية تربية الأبناء؟ هذا ناهيك عن أن المرأة سيعلو صوتها.

وستقول لي إن من حقي أن تطلب مشورتي في كل ما يتعلق بأمور المنزل والأولاد فلماذا تعب الرأس؟ أما الآن فأنا مرتاح البال لا يكلفني الأمر شيئاً فقط آمر لأحصل على الطاعة ودون أن أفسح أي مجال للنقاش.

وإن كان نضال يرى أن على المرأة أن تبقى في البيت فإن محمد قبل بعمل زوجته مرغماً لعدم قدرته على الإيفاء بمصاريف البيت والزوجة والأولاد وخاصة هذه الأيام التي تحلق فيها الأسعار من دون أن يكون هناك بارقة أمل أن تحط ثانية . فأعباء الحياة كثيرة ولا يستطيع أن يفي بها لذلك يتحمل على مضض فرعنة زوجته لأنها تسهم في كل مصاريف البيت، وعليه أن يشاركها الرأي على عينه، لهذا السبب هو يكره عمل المرأة لكنه مضطر للقبول به.

وتظهر تقارير التنمية الانسانية أن معدل البطالة بين الإناث يساوي ثلاثة أضعاف معدل البطالة بين الذكور حيث نجد أن المرأة في سوريا تعاني صعوبة في إيجاد فرص العمل، والسبب في ذلك يعود إلى أن تطبيق القوانين فيه تشجيع للرجال أكثر من النساء حيث بلغت نسبة مساهمة المرأة في قوة العمل للعام قبل الماضي 6.15% ومعدل النشاط الاقتصادي الخام بين الذكور 8.43% مقابل 9.9% للإناث.

ويفسر البعض أن المشكلة في الوصول لهذه الحال تعود لأمرين أولهما هو النقص في الأبحاث التي لها علاقة بمفهوم النوع الذي يربط الأدوار الاجتماعية التمييزية في العلاقة بين الرجل والمرأة بالتكوين الثقافي والاجتماعي، ويجعل من الرجال ذكوراً ومن النساء إناثاً لكل منهم أدواره الطبيعية المحددة مسبقاً ولا يمكن تغييرها.

والأمر الآخر هو غياب التنسيق بين الجهات التي تقوم بدراسات حول هذه المواضيع، والنقص في البنى التحتية التي تساعد المرأة على المشاركة في النشاط الاقتصادي.

وعملت الحكومة والكثير من مؤسسات المجتمع المدني على تشجيع المشروعات الصغيرة في أوساط النساء فقامت بتقديم القروض والإرشاد للكثير من النساء للقيام بمشروعاتهن الخاصة، لأن لعمل المرأة عوائد كثيرة على بيتها وأسرتها والاقتصاد الوطني عموماً، لكننا لا نستطيع إلا القول إن العمل حق من حقوق الإنسان على اختلاف جنسه وعلى الحكومة العمل جاهدة لتقديم الدعم المادي والإرشادي لجعل الجميع يدخلون سوق العمل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"