فزعة أمريكية جاهلية

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

هذا هو بالضبط مقاس ثقافة الإعلام الأمريكي النمطي حين يتعلق الأمر بالعرب من دون بلدان وشعوب العالم كله. إنه مقاس أو معيار ضيق الأفق محكوم بثقافة هشة سطحية قبل وبعد أي شيء.
لم يكن المشهد التلفزيوني في برنامج «استوديو 22» سوى لقطة كوميدية من نحو دقيقة وبضع ثوان، تحاكي حرفياً ظهور الرئيس الأمريكي جو بايدن في أكثر من مناسبة إعلامية عالمية، وقد نسي أسماء دول ورؤساء ومسؤولين كبار يُفترض أنهم يومياً على الأجندات الصحفية للبيت الأبيض، غير أن المشهد الواقعي تماماً الذي قام به الفنان السعودي خالد الفراج، في حدود نقدية محترمة، أخرج الإعلام الأمريكي عن طوره وكشف عن سذاجة هذا الإعلام أولاً. فالمشهد ليس سخرية من شخص الرئيس بقدر ما هو تصوير ومحاكاة واقعية مباشرة لطريقة تعاطيه مع قضايا عالمية بالغة الحساسية.
المشهد كوميديا وليس سخرية أو إهانة، وهناك فرق كبير بين فن الضحك أو فن الإضحاك، وبين التطاول على شخص واحتقار ثقافته ورموزه ومرجعياته، وهذا ما يفعله الإعلام الأمريكي؛ بل والكثير من الدوائر الصحفية والإعلامية في الغرب عموماً التي لم تتطاول على رموز عربية سياسية في موقع السلطة السيادية فقط؛ بل تطاول الإعلام الأمريكي وذيله الأوروبي حتى على رموز دينية عربية إسلامية يُفترض أنها في منأى عن السياسة وعن تبعاتها الإعلامية والدعائية التحريضية في كل الحالات.
لا حاجة لنا بالتذكير بصورة العربي في الصحافة الأمريكية والوسائل الإعلامية الكبرى التي تشكل «إمبراطوريات ميديا» منظمة في جهات العالم، فالعربي دائماً موضوع سخرية حاقدة في أكثر الأحيان، كما أن العربي صورة كاريكاتورية ممسوخة دائماً، فهو رثّ، وجاهل وأبعد ما يكون عن ثقافة الحضارة والمدنية والعصر، ما زال يسكن في الخيمة والكهف ويركب على بعير، ويضع على رأسه كوفية كاريكاتورية ويرتدي دشداشة قذرة، ويجلس على برميل من الزيت والدولارات.
لم يكن الإعلام الاستهزائي الأجنبي؛ بل العنصري في الكثير من دعايته المنظّمة، منصفاً للعرب وثقافتهم وتاريخهم ورموزهم السيادية والثقافية؛ لا بل حتى التجارب الاقتصادية العربية الناجحة، إلى جانب أن النجاحات العلمية والثقافية والأدبية، كانت أحياناً ـ إن لم يكن كثيراً ـ موضع تجاهل واستخفاف من سدنة الصحافة والإعلام الأمريكي وصنّاع «الميديا» العابرة للقارات، والعابرة أيضاً بكل سوء للشخصية العربية والإسلامية، حتى لو كانت هذه الشخصية شريكة عملية في المؤسسات الدولية المعنية بالحوار بين الثقافات والشعوب والأفكار.
غضبة وسائل الإعلام الأمريكية على السعودية والعرب بسبب مشهد كوميدي سريع وواقعي، هي غضبة جاهلية تماماً، تؤشر على تخلّف في العقلية الثقافية الأمريكية والغربية بشكل عام، والأهم من ذلك أن هذه «الفزعة» الأمريكية الجاهلية، تؤكد أكذوبة ديمقراطية الصحافة، وفشل مبدأ حرية التعبير الذي شبعنا منه في الخطاب الثقافي الأمريكي على مدى عقود من الباطنية والكتمان اللذين فضحهما خالد الفراج بكل بساطة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"