الذكاء الاصطناعي بين الابتكار والحماية

22:13 مساء
قراءة 4 دقائق

توهو نوغراها *
حفز الذكاء الاصطناعي الابتكار والنمو الاقتصادي على مستوى العالم، وبالنسبة للبلدان النامية بات يوفر فرصاً كبيرة للتطور. ويمكن لهذه التكنولوجيا أن تحول قطاعات مختلفة، مثل الرعاية الصحية والتعليم والزراعة، إلى أنظمة أكثر كفاءة وفاعلية.

فعلى سبيل المثال، يعمل الذكاء الاصطناعي على تحسين الكفاءة والإنتاجية في الزراعة من خلال تحليل الطقس واكتشاف الآفات، ويساعد على تشخيص الأمراض بشكل أسرع وأكثر دقة في مجال الرعاية الصحية، وفي التعليم يتعهد الذكاء الاصطناعي بمخرجات تعليمية أكثر تكيفاً وتخصيصاً، أما في القطاع العام فيمكن للطفرة التقنية الحاصلة أن تعزز كفاءة الخدمات في شتى مفاصل الحكومات المحلية.

ومع ذلك، فإن اعتماده في البلدان النامية يمثل أيضاً تحديات فريدة، بما في ذلك القضايا المتعلقة بخصوصية البيانات وأمنها، والفجوة الرقمية التي يمكن أن تفاقم من حالة عدم المساواة، والقيود في الموارد البشرية والبنية التحتية، فضلاً عن الاعتماد على التكنولوجيا الخارجية والمخاوف الأخلاقية المتعلقة بالمسؤولية، مع ضمان استمرار الإبداع دون المساس بالحقوق الفردية.

وبالنظر إلى هذه الفرص والتحديات، فمن الأهمية بمكان أن تضع البلدان النامية استراتيجية شاملة لاعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك سياسات قوية لحماية بياناتها، والاستثمارات في التعليم والتدريب، وتعزيز البنية التحتية، وتطوير نظام بيئي محلي للابتكار يلبي الاحتياجات والظروف المحددة للمنطقة. ومن خلال هذا النهج يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون أداة فعالة للتنمية والنمو الاقتصادي في تلك البلدان، ما يضمن فوائد عادلة وشاملة لجميع فئات المجتمع.

اتخذت الهند خطوات مهمة في تطوير سياسة شاملة للذكاء الاصطناعي، وأطلقت «الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي»، التي تهدف إلى تعزيز تطبيق التقنيات ذات الصلة بطريقة أكثر مسؤولية وأخلاقية. وتشمل هذه الاستراتيجية تطوير قدرات البحث والتطوير وتطبيق الذكاء الاصطناعي في القطاعات الرئيسية مثل الرعاية الصحية والتعليم والزراعة والنقل. كما شددت البلاد على تطوير البنية التحتية الآمنة للبيانات لدعم ابتكارات القطاع.

إضافة إلى ذلك، أدركت الحكومة الهندية أهمية حماية خصوصية البيانات. وينعكس هذا في التشريع الصارم المقترح لحماية البيانات الشخصية، المشابه للائحة العامة لحماية البيانات في الاتحاد الأوروبي. والذي يتضمن أحكاماً بشأن موافقة المستخدم، والقيود المفروضة على نقل البيانات عبر الحدود، والحقوق الفردية في الوصول إلى بياناتهم الشخصية والتحكم فيها.

وتوضح هذه الخطوات جهود الهند في إنشاء نظام بيئي للذكاء الاصطناعي لا يعزز الابتكار والنمو الاقتصادي فحسب، بل يضمن أيضاً سلامة وخصوصية مواطنيها. وهذا مثال للدول النامية الساعية إلى تطوير سياسات توازن بين الابتكار التقني وحماية المجتمع.

كما يعد تعزيز قدرة الموارد البشرية في مجال الذكاء الاصطناعي خطوة حاسمة يتعين على البلدان النامية والمتطورة على حد سواء اتخاذها لمواجهة تحديات العصر الرقمي. فمثلاً، اتخذت إندونيسيا خطوات استراتيجية مهمة من خلال إنشاء «لجنة أبحاث الذكاء الاصطناعي والابتكار» عام 2020، والهدف هو تنسيق البحث والابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي على المستوى الوطني. وأصبح التعليم الرقمي جزءاً لا يتجزأ من نظام التعليم العام في البلاد، ما يعكس جهود الحكومة الرامية إلى تطوير الموارد البشرية القادرة على المنافسة في العصر العالمي.

كما أظهرت إندونيسيا جديتها في احتضان الكفاءات الرقمية من خلال منح تأشيرات ذهبية لشخصيات بارزة في عالم التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. ما يؤكد من جديد مكانة الدولة في جذب الاستثمار والمواهب العالمية، ويعكس الجهود التي تبذلها البلدان النامية في إعداد مواردها البشرية للاقتصاد الرقمي، ويظهر التزامها الشديد كذلك في مجال الابتكار والنمو الاقتصادي المدفوع بالذكاء الاصطناعي.

من جانب آخر، يُعد تطوير بنية تحتية تكنولوجية قوية من التفاصيل المهمة لبناء مقومات الذكاء الاصطناعي، وتشمل هذه البنية تحسين شبكات الإنترنت والاتصال السريع والمستقر، وتطوير مراكز البيانات وتحليلها، وتعزيز منصات الحوسبة السحابية. ويعتبر وجود بنية تحتية تكنولوجية متطورة جاذباً مهماً للاستثمار الأجنبي، حيث يميل المستثمرون إلى استثمار رأس المال في البلدان التي توفر هذه البنى التحتية الناضجة والموثوقة.

ولا يمكن إغفال التعاون البالغ الأهمية الموجود بين الحكومة والقطاع الصناعي والأوساط الأكاديمية والمجتمع المدني في تطوير حلول الذكاء الاصطناعي الفعالة والمستدامة داخل البلدان النامية، حيث تلعب الحكومات دوراً رئيسياً في وضع اللوائح والسياسات التي تدعم الابتكارات، ما يضمن تطويع التكنولوجيا لخدمة الاحتياجات والظروف المحلية. ويساهم الأكاديميون أيضاً بأدوار مهمة في الأبحاث ذات الصلة وتطويرها، من خلال توجيه أبحاثهم لحل المشكلات المجتمعية الحقيقية. وهذا التعاون المشترك من شأنه أن يساعد على تحسين جودة أبحاث الذكاء الاصطناعي وإبراز أهميتها، ما يضمن إمكانية تطبيق نتائج البحوث عملياً.

وعلى الرغم من بدء محاولات تداول البيانات، إلا أن حجم المعاملات لا يزال ضئيلاً. ويتكشف المزيد من العقبات من القيود المفروضة على تطوير موارد البيانات وتطبيقها، ما يحول دون الإدراك الكامل لقيمتها. وفي نموذج التنمية الحالي غير الناضج، فإن الضغط من أجل تمويل البيانات للحصول على دخل إضافي سيضيف المزيد من التكاليف إلى الاستثمارات، وسيخنق العديد من الابتكارات، ما يعوق عملية الرقمنة الصناعية، ولذلك فإن الدعوة إلى تمويل البيانات لدفع تطوير الصناعة الأوسع وحتى النهوض بالاقتصاد الرقمي لا ينبغي أن تتجاهل آثارها السلبية المحتملة على الاقتصاد.

* خبير الأعمال الرقمية والميتافيرس في مؤسسة الاقتصاد الرقمي التطبيقي والشبكات التنظيمية في إندونيسيا (مودرن ديبلوماسي)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/37mjux2u

عن الكاتب

* خبير الأعمال الرقمية والميتافيرس في مؤسسة الاقتصاد الرقمي التطبيقي والشبكات التنظيمية في إندونيسيا (مودرن ديبلوماسي)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"