اقتصاد الأمازون الحيوي

21:33 مساء
قراءة 4 دقائق
روبرت موغا *
يدفع تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي، النظم البيئية الحيوية في العالم إلى حافة الانهيار، ومن هنا تأتي الأهمية البالغة لحماية الغابات المطيرة والمحافظة عليها. ولتحقيق هذه الغاية نحتاج إلى الاستثمار في سيادة القانون والنماذج الاقتصادية الجديدة التي تربط بين خفض الانبعاثات بشكل كبير وبدائل إزالة الغابات القابلة للتطبيق. ولا يوجد مكان حيث التحدي أكثر إلحاحاً من منطقة الأمازون.
على امتداد يزيد على 8 ملايين كيلومتر مربع، تُعد الأمازون موطناً لأكبر غابة استوائية مطيرة في العالم، والمصدر الأول للأسف للجرائم البيئية، بما في ذلك الاستيلاء على الأراضي، وتعدين الذهب غير القانوني، والصناعات الاستخراجية؛ مثل: قطع الأشجار، وتربية الماشية، وإنتاج فول الصويا.
وبسبب هذه الأنشطة، تقترب مساحات كبيرة من منطقة الأمازون من نقطة اللاعودة فيما يخص تحول الغابات المطيرة إلى مجرد سافانا وسهول أرضية. وعلى الرغم من التخفيضات الأخيرة في عمليات إزالة الغابات، فإن قطع الأشجار وتدهور الأراضي الشديد أثرا بالفعل في 26% من النظام البيئي للمنطقة، ويعرضان اليوم أكثر من 10 آلاف نوع من النباتات والحيوانات لخطر الانقراض.
وحذر معهد الموارد العالمية من أنه إذا استمرت سياسة إزالة الغابات بشكل غير قانوني، فمن الممكن تدمير مساحة هائلة تبلغ 57 مليون هكتار من الغابات، أي ما يعادل مساحة فرنسا. وعليه، فإن انبعاثات الكربون في المنطقة ستكون أعلى بخمس مرات بحلول عام 2050 من العتبة التي حددها اتفاق باريس للمناخ، مع عواقب وخيمة على التنوع البيولوجي، وتيارات المحيط، والإمدادات الغذائية العالمية.
وفي ضوء ذلك، هناك طريقة أكيدة لإبطاء وعكس كافة أشكال إزالة الغابات وتدهور الأراضي الحاصلة، وتتلخص في زيادة القيمة الاقتصادية للغابات القائمة نفسها. فنحن بحاجة إلى تحسين الأمن وحوافز السوق، والقدرة على الاستفادة من حماية الطبيعة؛ لتعزيز إزالة الكربون والمحافظة على البيئة. ولتحقيق هذه الغاية، فإن أحد النماذج الواعدة بشكل خاص؛ هو «الاقتصاد الحيوي» أو العضوي، الذي يشمل الزراعة المتجددة، وتربية الماشية وصيد الأسماك؛ والقطع الصحي للأشجار؛ وإنتاج الطاقة الخضراء والمتجددة؛ والمواد الحيوية المستدامة (بما في ذلك المبيدات والأسمدة ومستحضرات التجميل والمستحضرات الصيدلانية)؛ إضافة إلى السياحة البيئية وخدماتها ذات الصلة؛ وتقنيات احتجاز الكربون والمحافظة على البيئة.
ويتزايد الحماس للاقتصاد الحيوي، وخاصة في حوض الأمازون. وفي يونيو/ حزيران الماضي، احتضن مؤتمر الأمازون حول الاقتصاد الحيوي بالبرازيل، مئات الخبراء من أكثر من 100 منظمة. ولم يكن التجمع مجرد حركة بيئية ترفيهية، فالعائدات الاقتصادية المحتملة كبيرة جداً. ووفقاً لبعض التقديرات، فإن التنفيذ الكامل لنهج الاقتصاد الحيوي من شأنه أن يمكن البرازيل من خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنحو 550 مليون طن، وتوليد 284 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2050.
وقد بدأت بالفعل التحركات المدروسة؛ لتعزيز الاقتصاد الحيوي في منطقة الأمازون، وسوف يتطلب توسيع نطاقها، إجراء عمليات بحث وتطوير مستدامة وعالية الجودة، وبنية أساسية ورأس مال على نطاق واسع، وسلاسل توريد جديدة ومرنة. ويعد وجود ضمانات لازمة لحماية الملكية الفكرية للمنتجات الحيوية والموارد الجينية أمراً حتمياً، فضلاً عن استراتيجيات تبادل المعرفة مع مجتمعات السكان الأصليين.
ويتولى برنامج «أمازونيا للأبد» التابع لبنك التنمية للبلدان الأمريكية قيادة الجهود الرامية إلى تعزيز وتسريع فرص الاقتصاد الحيوي من خلال الدعم المالي والمساعدة الفنية للشركات المحلية الناشئة، والمؤسسات الحيوية، والمنتجين على جميع مستويات سلسلة القيمة. وبما أن تعزيز التآزر بين الباحثين ورجال الأعمال والمستثمرين والمنتجين والمجتمعات في المناطق النائية، يشكل عقبات لوجستية هائلة، فإن البنك وغيره يركزون على المنتجات ذات القيمة المضافة العالية اللازمة لإنجاح الاقتصاد الحيوي.
ويتطلب توسيع هذا النموذج روابط أقوى بين علماء وباحثي الاقتصاد الحيوي، ولهذا السبب وضعنا تصورات لمجموعات عديدة من مجتمعات البحث التي تعمل على القضايا ذات الصلة في جميع أنحاء المنطقة، ليتبين أن بعضاً من أكثر هذه السياسات والبرامج تقدماً موجودة في البرازيل وكولومبيا؛ إذ يتمتع كلا البلدين بقطاعات إنتاجية سريعة التطور تسعى إلى تحقيق الأولويات العلمية والتكنولوجية، ويعملان أيضاً على تسخير الخبرات والمساهمات القيّمة للمجتمعات التقليدية.
وفي الإكوادور وبيرو، تعد سياسات الاقتصاد الحيوي أقل تقدماً على الرغم من الجهود العديدة التي تقودها الحكومة، لتعزيز «الأعمال التجارية الحيوية» و«الابتكار الحيوي» في قطاعات معينة. وعلى النقيض من ذلك، قاومت بوليفيا وفنزويلا استخدام مصطلح «الاقتصاد الحيوي» لمصلحة الاستخدام المستدام للتنوع البيولوجي، وظلتا أكثر تركيزاً على المبادرات الأصغر نطاقاً، لمعالجة الأمن الغذائي ومدخلات محددة مثل الأسمدة الحيوية.
إن التحول من نماذج الإنتاج الاستخراجي إلى البيئي ليس مجرد ضرورة استراتيجية وطنية؛ بل هي مسألة تخص بقاء الإنسان. ومن خلال الاستفادة بشكل مستدام من التنوع البيولوجي الغني في منطقة الأمازون، وتعزيز سيادة القانون، يمكننا بناء مستقبل مزدهر ومستدام للغابة وسكانها، وتقديم مساهمات كبيرة في آليات إزالة الكربون. والخطوة الأولى على الطريق تتمثل في التوعية بالمكاسب الاقتصادية التي تستطيع الطبيعة أن تحققها.
* المؤسس المشارك لمعهد «إيغارابي» وعضو مجلس الأجندة العالمية لمستقبل المدن في المنتدى الاقتصادي العالمي. شارك في المقال تاتيانا شور، وإيلونا زابو.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mp9sh3ns

عن الكاتب

المؤسس المشارك لمعهد «إيغارابي» وعضو مجلس الأجندة العالمية لمستقبل المدن في المنتدى الاقتصادي العالمي. شارك في المقال تاتيانا شور، وإيلونا زابو.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"