«مش عاوز أظلم البطلة..»

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

في أحد أفلام محمود ياسين (رحلة النسيان)، نشاهد مقطعاً من الفيلم نحتار في توصيفه.. أهو سخرية من كتّاب الرواية، أم هو سذاجة وقلّة معرفة ثقافية في توظيف شخصية الكاتب (شاعراً أكان أم روائياً) في السينما، وعلى أي حال، فهذه مجرّد تفصيلة عابرة، فالسينما المصرية تعاملت، عموماً، باستخفاف وسطحية مؤذية مع شخصيات مثل: الصحفي، والمدرّس، والرسّام.. رئيس التحرير مثلاً في السينما كثيراً ما يظهر رجلاً غاضباً يغيّر (المانشيت) في آخر لحظة بناء على مكالمة تأتيه من شخص نافذ، وحين يكتب الافتتاحية يظهر كما لو أنه في محنة وجودية، وهو بانتظار وحي الكتابة.. وهي صورة مفتعلة تماماً، وبعيدة كل البعد عن شخصية رئيس التحرير..
المدرّس، في السينما المصرية غلبان أو ساذج أو عبد للدروس الخصوصية، وله نمط معين من الثياب قريب من الكاريكاتور وهو محشور في بدلة كلاسيكية ضيّقة، وبالطبع، هو دائماً بنظّارة طبية..
ليس هذا موضوعي.. فلنعد إلى فيلم (رحلة النسيان) وكان أوّل عرض له في عام 1978، سبعينيات السينما الرومانسية ومن نجومها: محمود ياسين، وحسين فهمي، ونور الشريف، وبالطبع سعاد حسني التي لم تلعب طوال حياتها الفنية دور صحفية أو مدرّسة..
لأمر ما يذهب محمود ياسين إلى الإسكندرية، وهو كاتب روائي معروف، وما أن يدلف إلى الفندق يرحب به موظف الاستقبال ويسأله: «.. ها.. حتكتب لينا رواية جديدة؟؟، فيجيبه محمود ياسين: في الحقيقة.. لِسّه.. بَدَوّر عليها..»، (أي أنه يبحث عنها.. يبحث عن الرواية الجديدة وفكرتها..).
يدور الفيلم وتقع نجلاء فتحي في حب الروائي أو العكس.. فتسأله بدورها فيما إذا جاء إلى الإسكندرية ليكتب رواية، فيجيبها: بحاول.. بَسّ خايف أظلم البطلة..
ويا للغرابة هنا، أن هذه المعالجة السينمائية لشخصية الكاتب الروائي، والتي كانت قبل أكثر من 35 عاماً، حيث إن فيلم (رحلة النسيان) هذا، وهو من أردأ أفلام مرحلة السبعينات، قد عُرِض للمرة الأولى في عام 1978.. تبدو وبعد أكثر من 35 عاماً ليست معالجة سينمائية ساذجة أو سطحية لشخصية الروائي أو الشاعر، فاليوم، ونحن في عام 2024 هناك البعض من الكتّاب هم نسخة مطابقة لنسخة محمود ياسين في ذلك الفيلم.. «بَدَوّر عليها، أي على الرواية، بسّ خايف أظلم البطلة..».
هل يا ترى ثمة من ظلم آخر يقع في فن الرواية على البشر والتاريخ والأديان، بل.. هل ثمة من ظلم روائي يقع على شعوب بأكملها وعلى رموز معنوية اعتبارية في تاريخ هذه الشعوب؟؟..
تمهّل محمود ياسين قليلاً في كتابة روايته تلك، لأنه لا يريد أن يظلم البطلة..
فهل يتمهّل بعض الكتّاب قبل أن يظلموا فن الرواية؟؟
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/29y6zmmm

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"