عادي
بروفايل

كونوسوكيه ماتسوشيتا.. رحلة الإرادة والإبداع نحو قمة عالم الأعمال والتكنولوجيا

17:22 مساء
قراءة 3 دقائق
كونوسوكيه ماتسوشيتا - باناسونيك
كونوسوكيه ماتسوشيتا - باناسونيك
إعداد: أحمد البشير

في عمق تاريخ اليابان القديم، تنبثق شخصية استثنائية، كونوسوكيه ماتسوشيتا، كرمز حي للتجارة والريادة، إذ يمثل هذا الرجل الياباني البارز أكثر من مجرد مؤسس لشركة «باناسونيك»، بل هو شخصية أسطورية تحمل عبقرية إدارية، وإبداعاً مالياً يتجسد في رحلة ملحمية من الفقر إلى الثراء، ومن التحديات المالية إلى ميادين النجاح.

رحلة ماتسوشيتا تنطلق من أغوار تلك الأرض الجذابة في محافظة «واكاياما»، حيث نمت أحلامه بين الأشجار، وأنغام الطبيعة الهادئة، تحت أنظار أسرة ثرية استوطنت تلك الأراضي الواسعة. لكنها أيضاً شهدت انهياراً مالياً مأساوياً، حينما انقلبت صفحات الثروة لتتحول إلى مأزق مالي يهدد بتهديم كل شيء.

ومنذ الصغر، امتلك ماتسوشيتا الحكمة اللازمة للتصدي لتحديات الحياة، فرأى والده يتخبط في أمواج الفشل، بسبب قرارات استثمارية جريئة، فقد كانت أراضيهم الزراعية تتزايد وتنقص في مقابل دخل متقلب. ولكن، من هذا الفشل الأليم، استخرج ماتسوشيتا دروساً قيّمة، فأصبح يشكل خططاً استراتيجية دقيقة كتعويض لتلك الندوب التي خلّفها الفشل.

وكما يروي كتاب «ماتسوشيتا القائد»، للمؤلف جون كوتر، فإن حياة ماتسوشيتا ليست مجرد قصة شخصية، بل هي أسطورة تحمل في طياتها دروساً لا تُنسى في فن الإدارة، وفلسفة النجاح.

ولد ماتسوشيتا في الـ 27 من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1894، في محافظة «واكاياما» اليابانية، لأسرة ثرية، حيث كان والده مالكاً لأراضٍ زراعية شاسعة، إلا أنه سرعان ما خسر ثروته بسبب قرارات استثمارية خاطئة، خصوصاً في ما يتعلق بصفقات المضاربة على الأرز.
وفي عام 1899، غطت سحب الفقر سماء عائلة ماتسوشيتا بأكملها، حيث تبددت ثروتهم كالرمال في الرياح. وماتسوشيتا، الذي عاش سابقاً في قصر فاخر، وجد نفسه الآن يتخبط في ضيق شقة مع إخوته الثلاثة.

اضطر ماتسوشيتا في سن التاسعة لترك مقاعد الدراسة لكي يبحث عن لقمة عيشه، وتحمّل مسؤولية تأمين الحياة لنفسه، وإخوته، إذ عمل في مجالات عدة، من تنظيف الأحذية وجمع القمامة، إلى غسل الملابس.

وبعدها بفترة سافر ماتسوشيتا إلى مدينة أوساكا، حيث وجد عملاً في متجر صغير لتصنيع معدات المطابخ. لكن الحظ لم يكن لمصلحته، فقد أغلق المتجر أبوابه بعد فترة قصيرة، ما دفعه ليبحث من جديد عن فرصة جديدة لكسب العيش بكرامة.

في عام 1909، ظهرت في اليابان بشائر الانتقال من عصر الإقطاع إلى عصر التطور، بعد انتشار استخدام الكهرباء، وشعر ماتسوشيتا بأن هذا الاكتشاف سيكون فجراً لعصر جديد، لذلك عزم أن يكون جزءاً من هذه الصناعة المشرقة، ودفعه شغفه إلى التقدم بطلب الحصول على وظيفة في شركة «أوساكا إلكتريك لايت»، وعُيّن مساعداً في توصيل الأسلاك الكهربائية، ولأنه كان شغوفاً في تعلّم كل شيء يتعلق بالإلكترونيات والكهرباء، سرعان ما أصبح خبيراً في مجاله.

وخلال السنوات المقبلة، ارتفع شأن ماتسوشيتا داخل الشركة، وتمت ترقيته مرات عدة. وفي سِن الـ22، عُيّن في منصب المشرف العام، إلا أنه سرعان ما سئم من هذا العمل، نظراً لأنه مضيع لوقته وجهده.

في عام 1917، غادر ماتسوشيتا شركة «أوساكا ألكتريك لايت»، وفي عام 1918 أسس شركته الخاصة التي أسماها «مصانع ماتسوشيتا للأدوات الكهربائية»، والتي تصنّع الملحقات الكهربائية ومصابيح الدراجات الهوائية، والمكائن، ثم أصبحت تصنّع أجهزة الراديو والبطاريات.

في عام 1927، أطلق ماتسوشيتا علامة «ناشيونال» على أجهزة البث والاستقبال اللاسلكي التي كان يصنعها بعد أن غيّر اسم مصنعه إلى شركة «ماتسوشيتا للصناعات الكهربائية المحدودة»، وقد نالت هذه المنتجات شهرة كبيرة في اليابان خصوصاً في الأوساط العسكرية، والقوات البحرية اليابانية. وفي عام 1931، طرحت الشركة جهاز الراديو على نطاق واسع بعد أن أتيح استخدامه لعامة الناس.

استفادت شركة «ماتسوشيتا» من حركة التجارة العالمية، وتوجهت نحو أسواق العالم، لا سيما أوروبا وأمريكا الشمالية لتسويق علامتها «ناشيونال»، لكن وجود منتجات أخرى في الولايات المتحدة وكندا مسجلة تحت اسم «ناشيونال»، أعاق توسع ماتسوشيتا، حيث مُنعت منتجاتها من دخول السوق الأمريكي تحت هذا الاسم، ما اضطره في عام 1955، إلى ابتكار اسم «باناسونيك»، والمؤلف من كلمتين هما «بانا» وتعني الجميع، و«سونيك» وتعني الصوت، وأطلقه على منتجات شركته التي كانت تدخل إلى القارة الأمريكية بدلاً من اسم «ناشيونال»، والذي بقي متداولاً في باقي أنحاء العالم، لاسيما في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط، وهكذا ظهر اسم «باناسونيك» للمرة الأولى كعلامة تجارية نالت رضا الأمريكيين.

في الـ27 من شهر إبريل/ نيسان من عام 1989، توفي ماتسوشيتا عن عمر ناهز 94 عاماً، تاركاً وراءه أصولاً شخصية بقيمة 3 مليارات دولار، وشركة بإيرادات تبلغ 42 مليار دولار.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/s8u7eyt4

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"