رهان فرنسي على الصين

00:28 صباحا
قراءة دقيقتين
2

رغم أن الخلفية المعلنة هي الاحتفال بالذكرى الستين لإقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين، فإن زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ بعد أيام لفرنسا تحمل من الدلالات ما ينشغل أكثر بالحاضر والمستقبل في روابط الدولتين، من دون أن تغيب بالطبع الأزمات الدولية.

وفي القناعة الفرنسية، يبقى الحوار مع بكين بشأن أزمة أوكرانيا أولوية، تأسيساً على العلاقة القوية التي تجمع بين الصين وروسيا، وتراهن الدبلوماسية الفرنسية على جدوى التعاطي المتواصل مع الصين في هذا الملف وقدرتها على الإسهام في تحول جوهري، وإن لم يكن مفاجئاً، بمساراته.

وحين تتحرك فرنسا في هذا الملف على الصعيد الصيني، فإنها تتكئ، بموازاة تأكيد بكين حيادها بأزمة أوكرانيا، على استقلالية تحاول باريس تثبيتها والترويج لها؛ لتمنح رؤاها وخطابها تمايزاً عن المجموعة الأوروبية وما يقال عن انقيادها للولايات المتحدة.

وسبق للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دعوة نظيره الصيني قبل زيارته الصين العام الماضي إلى «إعادة روسيا إلى التعقل» بشأن أوكرانيا، وجامله شي جين بينغ باتصال مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، غير أن ذلك لم يؤثر جوهرياً في مسار الأزمة.

ولا شك أن ماكرون سيكرر المحاولة حين يستقبل نظيره الصيني شي جين بينغ الأسبوع المقبل، وسيكون ذلك متضمناً في التصريحات المرافقة لها، على الأقل من جانب الرئيس الفرنسي الموقن بأن الأزمة الأوكرانية تهديد كبير لأوروبا.

وهي فرصة أيضاً لماكرون لتأكيد استقلالية فرنسا وميزة احتفاظها بعلاقات يراها مفيدة مع «التنين» الصيني بكل تأثيره السياسي والاقتصادي في العالم، رغم أن الولايات المتحدة تمارس ضغوطاً على مثل هذه العلاقات، وتعتبرها توسعاً لنفوذ بكين، وإن لم تمانع في إرسال رأس دبلوماسيتها قبل أيام إلى هناك.

وبديهي ألا تسعد واشنطن بهذه المناسبة للتقارب الأوروبي الصيني، خاصة أن أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، ستنضم إلى الرئيسين الفرنسي والصيني في اجتماع ثلاثي، كما حدث في الصين قبل عام. وفي هذا ترسيخ جديد لإيمان أوروبا، رغم الضغط الأمريكي، بحتمية الانفتاح على الصين وأهمية دورها في حل النزاع الروسي – الأوكراني، وبالتالي تجنب تداعياته على القارة العجوز.

بالطبع، لن تكون الأزمة الأوكرانية فقط شاغل الرئيسين الفرنسي والصيني، فمثيلاتها في العالم تستدعي مشاورات، وفي مقدمتها الحرب في غزة التي يمثل ماكرون أحد الدعاة إلى وقفها، فيما جمعت الصين حواراً ساعياً للمصالحة بين ممثلي «حماس» و«فتح».

وبالقدر نفسه من الأهمية، يحضر الملف الاقتصادي في المحادثات المنتظرة، فرغم النجاح الأمريكي في إقناع الأوروبيين بما تعتبره مخاطر للصادرات الصينية تصل إلى الأمن القومي نفسه، فإن فرنسا على الأقل لا تريد إدارة الظهر لثاني أكبر اقتصاد في العالم وتنتظر استثماراته. وربما يكون أهم ما يحمله شي جين بينغ إلى فرنسا، منطلق أول جولة أوروبية له منذ «كوفيد-19» وتشمل صربيا والمجر، فرصاً اقتصادية تحبط المساعي الأمريكية المناوئة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4pt3znm3

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"