عادي
صدر في الشارقة

«المسرح والرقص»..ثنائية الروح والجسد

00:55 صباحا
قراءة 5 دقائق
جاستن جون بيلي

الشارقة: علاء الدين محمود
علاقة قوية تربط بين فن المسرح والرقص، كلاهما إبداع يعتمد على الأداء والحركة والتعبير عن مكنون النفس البشرية بصور وطرائق غير تقليدية تنفذ إلى عوالم الروح والجمال، وما وراء الأفكار، وهذا جانب من مقاربات ورؤى عدة، يحملها كتاب «توظيف الرقص الشعبي في تطوير قدرات الممثل الأدائية»، للكاتب الجنوب سوداني د. جاستن جون بيلي، الصادر في طبعته الأولى عام 2022، عن «الهيئة العربية للمسرح»، في الشارقة.

ولئن كان تاريخ الرقص في حياة الشعوب قديماً، فإن القارة الإفريقية عرفت بأشكال وألوان من الرقصات التي تؤدى في مختلف مناحي الحياة، من ألم وفرح، وفي مواسم الحصاد، وعند لحظة الموت، وميلاد الحياة، وكذلك إعلان الحروب، بحيث أن حياة الإفريقي كانت منضبطة على تلك الإيقاعات التي تصدر عن آلات مختلفة بطرق متنوعة، ولئن كان الإمام النفّري قد قال في لحظة حيرة تعطلت فيها لغة الكلام «كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة»، فإن تلك حالة لا تخص، على الأقل، الإنسان الإفريقي، فعندما يعجز عن التعبير عن الرؤية بلسانه «اللغة المنطوقة»، فهو يلجأ إلى لغة أخرى، فيطلق العنان لجسده ليحيط بالرؤية، بل ويتعداه نحو عوالم جديدة، لذلك فإن للرقص وجوده الإبداعي في الحياة اليومية، فهو ليس مجرد طريقة ووسيلة للترفيه، بل يمتلك العديد من الوظائف.

محتويات

الكتاب في الأصل دراسة يبحث في توظيف الرقص في تطوير قدرات الممثل الأدائية، وهو يقع في 136 صفحة، ويشتمل على مقدمة وأربعة محاور، ونتائج وتوصيات وملحق للصور وقائمة بالمراجع، إضافة إلى سيرة ذاتية للمؤلف، يتضمن المحور الأول عدة عناوين منها: «فن الممثل»، ويتناول عدة محاور مثل: «نشأة التمثيل»، «طاقات الممثل»، «نماذج في تدريب الممثل»، حيث يقدم هذا المحور تطوافاً واسعاً حول الممثل منذ الإغريق إلى الرومان وكوميديا الفن الإيطالية، واتجاهات فن التمثيل الحديث، ويكاد لا يترك شاردة أو واردة في هذا الصدد، إلا ويشبعها بحثا، ويستعين الكتاب في هذا المحور بعدد من الرواد المسرحيين وأصحاب الفتوحات في مجال تدريب الممثل، مثل: أنطونين آرتو، وجيرزي جروتوفسكي، ويوجينو باربا، وفيزهولد مايرهولد.

مجتمع الفرتيت

يركز المحور الثاني، على «جسد المؤدي في الرقص الشعبي»، و«فنون الرقص الشعبي»، و«الرقص الشعبي في جنوب السودان»، بينما يتناول المحور الثالث «مجتمع الفرتيت»، أو «البنانتو»، وهو أحد المكونات الاجتماعية والإثنية في دولة جنوب السودان.

لغز الموت

ويركز المحور الرابع على «طقوس الموت، آليات الأداء»، ويتناول مفهوم الموت بصورة عامة، وعند الصوفية، ولدى العالم النفسي فرويد، وكذلك في الفكر الشرقي، ويتعمق الكتاب بشكل أساسي في فكرة الموت لدى «الفرتيت»، ويتناول «طقس القازا»، وهو خاص بصيد الحيوانات المفترسة، حيث يعمل هذا الطقس على تحرير الصياد من روح الحيوان المفترس، حتى لا تكون سبباً في اللعنة عليه، وهناك أيضا نوع ثان من «القازا»، خاص بفكرة الموت، ويهدف إلى إعادة العلاقة بين الميت وأهله في تصورات «الفرتيت».

الرقص والوعي

جاء في مقدمة الكتاب أن تاريخ الرقص يعتبر هو تاريخ وعي الإنسان بوجوده على الأرض، وإدراكه لعلاقاته مع نفسه، والآخر من حوله، وكذلك الحال إدراكه لمكونات الطبيعة، وما بعدها، لقد انطلقت كل المعارف الإنسانية منذ البداية عبر الرقص، رقص الإنسان خوفاً من القوى المحيطة به، وللسيطرة على قوى الطبيعة، رقص الإنسان لإرهاب الآخر، ولتعزيز الانتماء إلى المجموعة الاجتماعية التي ينتمي إليها، كذلك الموقف عند قدامى الإغريق - مهد الدراما الغربية-، لذا، فإن طبيعة العلاقة بين الدراما والتمثيل والرقص هي علاقة وجودية، ومن هنا، فإن الكتاب يتطرق إلى البحث في إمكانات تطوير أداء الممثل، الجسدية والعقلية والعاطفية، اعتماداً على الرقص الشعبي في جنوب السودان، وقدراته العالية في تفكيك وإعادة بناء الطاقة المرئية، وغير المرئية، لدى المؤدي، سعياً للوصول إلى التكامل كحالة من التوافق والتعاون المشترك بين أدوات الممثل (جسده وروحه وعقله وتجربته الحياتية المختلفة)، المؤلف في هذه الحالة، بحث في إمكانية توظيف إحدى الرقصات الشعبية بمناطق غرب بحر الغزال، وهي رقصة القازا «رقصة الانتصار أو الموت»، لدى قبائل الفرتيت لاحتواء هذه الرقصة على قدر كبير من الدلالات، والتعابير، والإيماءات والرموز الفكرية والثقافية والتي يمكن الاستفادة منها في رفع قدرات الممثل في تكثيف المعنى والدلالة الأدائية لديه، باعتبار أن جسد الممثل يمثل ذاكرة ومخزوناً ثقافياً فكرياً عالمياً.

طقوس أدائية

ويشير المؤلف إلى أن المسرح قد ارتبط تاريخياً بالوجود والممارسة الأسطورية للطقوس الدينية البدائية لمختلف المجتمعات القديمة، فمنذ القرون الأولى حيث نشأ ونما دوره الاجتماعي والمعرفي والروحي، والذي هدف وقتها إلى التطهير، ومع نمو المجتمعات البشرية تعقدت وتشابكت الإشكالات في الإنسان، بين ما هو نفسي واجتماعي وعقلي، والعديد من الاضطرابات التي أصابت إنسان العصور الحديثة، هذه الإحداثيات هي التي دعت أنتونين آرتو إلى البحث عن الجوهر المشترك بين بني الإنسان، والذي يحتوي على ثيمات كونية، ودعا إلى الاهتمام بدراسة الجوانب البدائية لدى الإنسان واقترح أن تكون التلقائية اللاعقلانية والهذيان «كسلوك ارتجالي حر»، ليكونا بديلين بإمكانهما تحرير الميول المكبوتة في عملية تطهير عواطف الإنسان، فلكي يتخلص الإنسان من إشكالاته التي أعاقت قدرته وتحرره، لابد له من أن يخلص لطبيعته الحقة، سعياً وراء تكسير القيود للوصول إلى حقيقة وقدرة الإمكانات الكامنة في دواخله للمصالحة مع نفسه، فعلى الإنسان أن يتخلص من الانقسام الذي فرضته عليه تلك الثنائية الغربية، بين الروح والجسد.

متعة

ولئن كان هدف الكتاب هو البحث في عملية توظيف الرقص من أجل تطوير الممثل، فهو في ذات الوقت يقود القارئ العربي نحو عوالم من السحر، والجمال، والدهشة، فالمتلقي يجد نفسه أمام مجاهيل ربما يكتشفها لأول مرة، من قلب القارة الإفريقية، وهنا تكمن براعة المؤلف جاستن بيلي، وهو من مواليد السودان بمنطقة الجريف غرب الخرطوم، وحاز شهادة الدكتوراه في «الفلسفة في الإخراج المسرحي»، وعمل كعميد لكلية الفنون والموسيقى بجامعة جوبا في دولة جنوب السودان، ورئيس المجلس القومي للموسيقى والمسرح والفنون، وله العديد من المؤلفات.

اقتباسات

جسد الممثل يمثل ذاكرة ومخزوناً ثقافياً فكرياً عالمياً.

نشأ فن التمثيل كضرورة حياتية من تجارب الإنسان وصراعه مع قوى الطبيعة.

الخيال هو القدرة على استخدام المشاهدات التي خزنها الفنان في ذاكرته ليظهر نفسه في موقف جديد.

ارتبط المسرح تاريخياً بالوجود وأساطير الطقوس البدائية للمجتمعات القديمة.

بالرقص يعبّر الإنسان عن رغبته بالتجرّد من القلق والخوف والزوال.

تشرق الشمس وتغرب، تتعاقب الفصول، يولد شخص ويكبر ويهرم، كل هذا تدفق مطرد من الإيقاعات.

الناشر الهيئة العربية للمسرح

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdhus582

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"