ليبيا واستحقاق السلام

00:31 صباحا
قراءة 3 دقائق

كمال بالهادي

تتواتر الأحداث في ليبيا، فاستقالة المبعوث الأممي إلى ليبيا عبدالله باتيلي جاءت في وقت تشهد فيه طرابلس الغرب صراعاً محموماً بين القوى الدولية وهو صراع ينذر بحرب طاحنة على الأرض الليبية، وفي ظل فشل القوى السياسية الليبية في التوصل إلى اتفاق ينهي حالة الصراع الممتدة منذ العام 2011، فإنّ مهددات الاستقرار الليبي باتت أكثر خطورة من أي وقت مضى.

إننا لا نجانب الصواب عندما نقول إنّ مأساة ليبيا كانت من خلال المؤسسات الأممية التي اجتاحت ليبيا وقامت بتدمير مؤسسات الدولة في العام 2011، وقدمتها على طبق من ذهب للجماعات المتطرفة والتي عبثت بمصير الشعب الليبي. والأشد خطورة من وجهة نظرنا أنّ الهيئات الدولية هي التي ظلت تلعب بالأمن الدولي طوال السنوات الماضية وهي التي تصر على منع الليبيين من الالتقاء على أرضية مصالحة شاملة. إن من يطيل أمد الصراع في ليبيا هي البعثة الأممية التي تعتبر أداة سيطرة من قبل المحور الأنجلوسكسوني المتمثل في الأمريكان والإنجليز. وتغيير رأس البعثة كان دائماً مؤشراً على فترة نزاع جديدة أطول وأكثر تعقيداً. فالأمريكان عندما أحسوا بأن ليبيا قد تعود لليبيين في العام 2021 حينما كانت الانتخابات قاب قوسين من أن تنجز قاموا بإزاحة غسان سلامة المبعوث الأممي في ذلك الوقت وعينوا نائبته حينها ستيفاني وليامز الأمريكية لتلعب بمصير الليبيين وتعطل عملية الانتقال السياسي، ويبدو أنّ الأمريكية الجديدة التي تم تعيينها وهي ستيفاني خوري قد ألمّت بكل الملف الليبي وعرفت تفاصيله، وهي ستلعب الآن اللعبة وفق المخطط، وهذا ما سيدفع القوى المقابلة وهي روسيا والصين إلى رفض البعثة الأممية وهذا يهدد باستدامة الصراع وتفاقمه من جديد، وتحوله إلى مرحلة أكثر خطورة ربما، في وقت أن الليبيين هم بحاجة إلى الخروج من دوامة الصراع اليوم قبل الغد لالتقاط أنفاسهم والعودة شيئاً فشيئاً إلى ممارسة حياتهم الطبيعية التي افتقدوها منذ بدء الصراع.

ولأنّ السياسيين الليبيين الذين خبروا الدولة وعملوا فيها طوال عقود قد تمت إزاحتهم بطريقة أو بأخرى منذ العام 2011، سواء بالقتل أو الترهيب أو السجن، ومن استطاع منهم أن يغادر البلاد نأى بنفسه عن هذه الصراعات بعد أن رأى من الجحود والنكران ما رآه، فإن من يتصدرون المشهد اليوم، هم من جاءت بهم رياح مختلفة، وأطماع ليست بخافية على أحد ومن يبقيهم في مواقعهم ويؤمنهم حقيقة هي البعثة الأممية في ليبيا والقوى الدولية وفي مقدمتها أمريكا وبريطانيا.

يقول الدكتور عزالدين عقيل الناشط السياسي الليبي في حديث معه حول واقع الأزمة الليبية، إن الكيانات السياسية مثل مجلس الدولة ومجلس النواب والحكومات والمجلس الرئاسي هي كلها هياكل سياسية، تستمد شرعيتها فقط من هذه البعثة الأممية ومن الدول التي لا تريد الاستقرار لليبيا لأنها قوى غير شرعية انتخابياً وليست شعبية بل هي مكروهة من غالبية الشعب الليبي. والنظام السياسي الحالي يرتكز على أنه أداة في المشروع الأنجلوسكسوني الذي بدأ تنفيذه في ليبيا في العام 2011 بعد الإطاحة بالدولة الليبية. والحقيقة أنه إذا أرادت القوى الدولية أن تنهي هذه الحالة فما عليها إلا التوجّه إلى الذين يحكمون السيطرة فعلياً على الأرض.

إنّ مثل هذا الرأي يلخّص حقيقة طبيعة الصراع الطاحن في ليبيا، وهو صراع يتأذى منه الشعب الليبي بصورة مباشرة والأخطر فيه أنّه لا يؤشر لنهاية قريبة للفوضى الليبية ما لم تتوافق القوى الدولية ذات التأثير الكبير والواضح في ليبيا على مشروع موحّد حقيقي وإنساني. ولكن هناك بوادر داخلية تثبت أن الشعب الليبي لن يظل مكتوف الأيدي أمام هذا الوضع الأمني والسياسي الأشد خطورة عليه. فهناك حراك قبلي قوي الآن، قد يتوسع في القريب ليشمل كل القبائل الليبية التي ستشكل ضغطاً قوياً على الفرقاء السياسيين والقوى الدولية من أجل وضع خريطة طريق لإنهاء الفوضى وتنظيم انتخابات وتوحيد المؤسسات.

إن هذا الحراك القبلي الليبي يجب أن تقرأه كل الدول المؤثرة في ليبيا كونه صحوة شعب من غفوة ربيع الخراب الذي زحف على كثير من الدول العربية. والأمل يظل قائماً في دور عربي من مصلحته استقرار ليبيا وليس استمرار الفوضى. ففي ليبيا فرص نهوض واستقرار واستثمار هي أكثر بكثير من حالة الفوضى الحالية. فليبيا بموقعها وثرواتها وإمكاناتها البشرية قادرة على أن تكون قطباً جاذباً في المستقبل، وتستعيد بريقها التاريخي كعاصمة متوسطية منذ ما قبل الميلاد. إنّ السلام في ليبيا ليس مصلحة ليبية فقط بل هو مصلحة تهم الأمن القومي الإقليمي والعربي والدولي، وغير ذاك هو استمرار في ضرب أمن منطقة برمتها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3urndm8c

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"