اعتراف أمريكي متأخر

00:30 صباحا
قراءة دقيقتين
2

اعتراف الرئيس الأمريكي جو بايدن بأن أسلحة أمريكية قتلت مدنيين فلسطينيين في العدوان الإسرائيلي على غزة، ربما يكون أهم من قراره تعليق شحنة قنابل إلى تل أبيب، واعتزامه منع تزويدها بالأسلحة في حال شنت هجوماً واسع النطاق على رفح. فللمرة الأولى، ولو متأخرة، يأتي إقرار من سيد البيت الأبيض بأن إسرائيل ارتكبت جرائم إبادة بأسلحة أمريكية، وهو ما سيقود وجوباً إلى الاعتراف بانتهاك القانون الدولي، وبمشاركة واشنطن في الحرب المروعة على الشعب الفلسطيني.

موقف بايدن لم يأت مروءة أو إنسانية أو صحوة ضمير متأخرة، بل استجابة لضغوط هائلة، ونتيجة لموجات الغضب والاحتجاجات التي تجتاح المجتمع الأمريكي، وتمثلت في استقالات عشرات المسؤولين والدبلوماسيين على مدى أشهر، والتراجع الكبير لتأييد دعم إسرائيل لدى الرأي العام وبين نواب الكونغرس. أما انتفاضة الجامعات الأمريكية العريقة، فيبدو أن ضغطها بدأ يثمر ويغير في مواقف الإدارة الديمقراطية، التي باتت تريد إنهاء هذه الحرب والعمل على استعادة الهدوء، بعدما أيقنت أن المصالح الأمريكية وصورتها، التي ظلت تسوقها لعقود كقوة ضامنة للاستقرار، قد تضررت وتهمشت، وبات من الصعب إعادة ترميمها وطرحها على المنطقة مرة أخرى.

طوال أشهر العدوان، وضعت واشنطن نفسها في مواجهة العالم أجمع تقريباً، واستماتت في الدفاع عن إسرائيل، وعرقلت القانون الدولي عبر استخدام «الفيتو» في مجلس الأمن خمس مرات، ومنعت وقف الحرب وحماية المدنيين، واتساع الكارثة الإنسانية، كما لم تسمع نداءات حلفائها وتحذيراتهم من أن الانحياز الأعمى لحكومة التطرف في تل أبيب لن يحقق لها النصر ولن يجلب السلام إلى المنطقة، بل سيقوض كل ما تم بناؤه من استراتيجيات وسياسات على مدى نصف قرن، فما حدث في غزة من جرائم إبادة واستهانة بالقانون الدولي وبالقيم الإنسانية وميثاق الأمم المتحدة ومؤسساتها، من الصعب تداركه أو تجاوزه بسهولة، لأن هذه الحرب الإجرامية تخطت كل الخطوط الحمراء المفترضة، ولم يتبق منها شيء لم يتم تجاوزه، على عكس ما يعتقد بايدن الذي استفاق متأخراً على فظاعة ما ارتكبته إسرائيل، وهول ما واجهته غزة.

لقد وقعت الولايات المتحدة في مأزق استراتيجي خطير، جراء دعمها لإسرائيل في هذه الحرب الإجرامية على غزة. وللتكفير عن ذلك، حاول بايدن أن يوجه أقوى رسائله العلنية إلى تل أبيب، بعد أسابيع من التوتر مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يزعم أنه «سيقاتل بأظافره»، إذا حجب عنه الدعم الأمريكي. كما أن مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية «سي آي إيه» أصبح مقيماً بين القاهرة والدوحة ضاغطاً بكل قواه للتوصل إلى هدنة طويلة الأمد تسمح بوقف إطلاق النار والإفراج عن عشرات الرهان الإسرائيليين. وأسوأ ما يخشاه الرئيس الأمريكي في هذا التوقيت أن تنهار المفاوضات وتتهور إسرائيل باجتياح رفح المكتظة بأغلبية سكان غزة النازحين.

كما أن المنطقة لم تعد لها القدرة على تحمل المزيد من مشاهد القتل الجماعي للفلسطينيين، الذي سيقود، ما لم يتم وقفه، إلى تداعيات لا يمكن التنبؤ بمداها وتأثيراتها، وهذا التحذير ليس فناً من فنون البلاغة السياسية، بل مؤشر إلى منزلق خطير، لن يحقق النصر لإسرائيل ولن يحفظ المصالح الأمريكية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2xr26zym

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"