عادي

الهند تسحب قواتها من المالديف.. هل حسمت الصين صراعاً جيوسياسياً مهماً؟

18:22 مساء
قراءة 5 دقائق
الهند تسحب قواتها من المالديف.. هل حسمت الصين صراعاً جيوسياسياً مهماً؟
الهند تسحب قواتها من المالديف.. هل حسمت الصين صراعاً جيوسياسياً مهماً؟
«الخليج» - وكالات
أنجزت الهند سحب قواتها المتمركزة في المالديف الجمعة، ضمن المهلة التي حددتها حكومة الأرخبيل المؤيدة للصين، وفق ما أفادت وزارة الخارجية في ماليه وكالة فرانس برس الجمعة، في خطوة ينتج عنها تساؤلات كثيرة، من أهمها إن كانت الصين حسمت بالفعل صراعها الجيوسياسي مع نيودلهي في هذه المنطقة أم لا؟
وكان محمد مويزو الذي فاز بالانتخابات الرئاسية العام الماضي، قد تعهّد خلال حملته الانتخابية بخفض مستوى علاقات المالديف مع الهند، وشرع منذ توليه الحكم في تقارب بين الصين والجزر ذات الموقع الاستراتيجي في المحيط الهندي.
وطلبت الهند من المالديف سحب 88 من جنودها على الأقل كانوا متمركزين على أراضيها يتخصصون في تقنيات الاستطلاع الجوّي للدوريات البحرية.
وأكد مسؤول في وزارة الخارجية الجمعة، طالباً عدم ذكر اسمه، أن الدفعة الأخيرة من القوات الهندية والمؤلفة من 27 عنصراً، غادرت المالديف الجمعة.
وأشار إلى عدم تنظيم حفل رسمي بالمناسبة.
وأتى الإعلان عن إنجاز الانسحاب غداة زيارة وزير خارجية المالديف موسى زمير إلى الهند، مؤكداً أنه يدشن بذلك «مبادرة جديدة للتعاون، وترمز إلى الصداقة المستمرة والأهداف المشتركة».
من جانبه، أعلن وزير الخارجية الهندي اس. جايشانكار أن للبلدين مصلحة مشتركة في التوصل إلى «اتفاق حول أفضل السبل لتعزيز علاقاتنا».
ونُشرت الوحدة المكونة من 89 جندياً هندياً لقيادة ثلاث طائرات مقدمة إلى جزر المالديف للقيام بدوريات فوق نطاقها البحري الشاسع المكوّن من 1192 جزيرة مرجانية صغيرة منتشرة على مسافة 800 كيلومتر في المحيط الهندي.
ويحتل الأرخبيل موقعاً استراتيجياً على أحد أكثر الطرق البحرية ازدحاماً في العالم، وتشعر نيودلهي بالقلق من الوجود المتزايد للصين في المحيط الهندي ونفوذها في جزر المالديف وكذلك في سريلانكا المجاورة.
وأبرمت حكومة مويزو اتفاقيات عدة مع بكين لتعزيز العلاقات الثنائية والعلاقات الاقتصادية، على حساب الهند التي تعتبر هذه الدولة الصغيرة جزءاً من دائرة نفوذها.
ووقعت المالديف اتفاقية «مساعدة عسكرية» مع بكين في مارس/آذار تهدف إلى «تعزيز العلاقات الثنائية»، مع بدء انسحاب القوات الهندية من البلاد.
لكن، بدأ هذا النفوذ يتضاءل مع وصول مويزو للسلطة في نوفمبر الماضي، بديلًا عن إبراهيم صليح، الذي رمم العلاقات مع الهند.
  • تراجع هندي وتقارب صيني
وفيما يتنافس كل من بكين ونيودلهي على النفوذ في الدولة الواقعة بالمحيط الهندي، يؤيد رئيس المالديف التقارب مع الصين، حيث أطلق وعوداً بتغيير سياسة «الهند أولاً»، تضمنت طرد القوات الهندية التي تشغل طائرات بحرية في الأرخبيل، لتصير «الهند خارجاً».
مع هذا، خفّف مويزو من لهجته المناهضة للهند بعد وصوله إلى السلطة، مؤكداً أنه لا ينوي الإخلال بالتوازن الإقليمي باستبدال القوات الهندية بأخرى صينية.
كما أكد بعد أدائه اليمين، أنه لن يكون في المالديف أي عسكريين أجانب، قبل أن يعلن، نوفمبر الماضي، أن الهند وافقت على سحب قواتها من الأرخبيل.
ومن المقرر أن تبدأ الهند باستبدال العسكريين بموظفين مدنيين لتشغيل الطائرات، كما أعلنت البحرية الهندية منذ أشهر أنها ستعزز «المراقبة العملياتية» من جزيرة مينيكوي في جزر لاكشادويب، التي تقع على بُعد نحو 130 كيلومتراً شمال جزر المالديف.
وتشعر الهند بالقلق من نفوذ الصين المتزايد في المحيط الهندي، بما في ذلك جزر المالديف وسريلانكا.
ففي مقابل التراجع الهندي، حصلت سفينة الأبحاث البحرية الصينية «شيانج يانج هونج 3»، الشهر الماضي، على إذن بالرسو في جزر المالديف.
أيضاً، وقّع مويزو سلسلة من اتفاقيات البنية التحتية والطاقة والزراعة مع الصين خلال زيارة لبكين في يناير.
  • لماذا الخلاف
ثمّة مجموعة من الأسباب المهمة والأجواء المشحونة بالتوتر الأخير في العلاقات بين الهند وجزر المالديف، كتحوّل السياسة الخارجية للنظام الجديد في المالديف فمثلاً هناك تقليد دائم حافظ عليه رؤساء جزر المالديف السابقون، وهو أن تكون الهند أول محطة رسمية لزياراتهم الخارجية. بيد أن الرئيس المالديفي الجديد، محمد مويزو، الذي تولى منصبه رسمياً في 17 نوفمبر 2023، تخلى عن هذا التقليد، بقيامه بالسفر إلى تركيا في ذات الشهر، كأول زيارة خارجية له بعد توليه السلطة، وهو الأمر الذي عكس تحولاً واضحاً في السياسة الخارجية للمالديف في أعقاب تولي نظام جديد السلطة فيها.
كما يلاحظ أن التوتر الأخير في العلاقات بين الهند وجزر المالديف، جاء بالتزامن مع زيارة الدولة التي قام بها رئيس المالديف، محمد مويزو، إلى بكين، خلال الفترة من 8 إلى 12 يناير 2024، وهي الزيارة التي تم الاتفاق خلالها على تأسيس شراكة تعاونية استراتيجية شاملة بين الصين والمالديف، ما يمهد الطريق أمام بكين لزيادة استثماراتها في جزر المالديف، وبالتالي تعميق علاقاتها مع ماليه.
وقد تبنى مويزو خلال حملته للانتخابات الرئاسية، التي أوصلته إلى سدة الحكم، شعارات تدعو إلى تعزيز التعاون مع الصين، على حساب العلاقات مع الهند، وهو توجه أغضب الأخيرة، في ظل التنافس الدائر بين بكين ونيودلهي على النفوذ في الدولة الواقعة في المحيط الهندي.
علاوة على هذه الأجواء المشحونة قام عدد من المسؤولين في حكومة المالديف بإصدار تعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي، اعتبرت مُهينة لرئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، وهو ما أثار خلافاً دبلوماسياً بين الهند وجزر المالديف، حاولت الحكومة المالديفية التخفيف من حدّته عبر وصف التصريحات بأنها آراء شخصية، ولا تعبر عن موقفها الرسمي. وقد جاءت هذه التصريحات على خلفية قيام مودي، في 4 يناير 2024، بزيارة إلى جزيرة لاكشادويب الهندية، ونشره صوراً يقوم فيها بالتجول والغطس في مياه الجزيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، داعياً السياح إلى زيارة الجزيرة، وهو ما فُسّر من جانب البعض في جزر المالديف على أنه دعوة ضمنية للسياح الهنود للامتناع عن الذهاب إلى المالديف.
ورداً على التصريحات المسيئة من جانب بعض مسؤولي حكومة المالديف ضد رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، لجأ العديد من الهنود إلى منصات التواصل الاجتماعي للحث على مقاطعة الدولة الجزيرة، وهو ما دفع رئيس جزر المالديف، محمد مويزو، في 14 يناير 2024، إلى التصريح بأن صغر حجم بلاده لا يمنح أحداً رخصة التنمر عليها، وهو التصريح الذي تضمن نبرة تحدٍّ واضحة تجاه الهند، الجارة العملاقة لدولة الأرخبيل.
كما أدى صعود محمد مويزو إلى سدة الحكم في جزر المالديف، إلى توتر العلاقات بين نيودلهي وماليه، وذلك على خلفية تعهده بإنهاء سياسة «الهند أولاً» التي تبنتها الحكومة السابقة، كما وصف في حملته الانتخابية النفوذ الكبير لنيودلهي في بلاده بأنه تهديد للسيادة وتعهد بإخراج القوات الهندية.
ومن هنا، فإن بدء الحكومة الجديدة في جزر المالديف في تنفيذ بعض وعود وتعهدات الرئيس محمد مويزو، المناوئة للهند، يدفع باتجاه توتر العلاقات بين البلدين، ويحقق مكسباً فعلياً للصين ويجعلها أقرب لحسم هذا الصراع الجيوسياسي المهم مع نيودلهي.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"