عادي
صدر في الشارقة

‏«دكتور كلاس»... رواية تنزع الأقنعة الزائفة

15:53 مساء
قراءة 5 دقائق
يلمار سودر بيري

الشارقة: علاء الدين محمود
دائما ما يشار إلى رواية «دكتور كلاس»، للكاتب السويدي يلمار سودر بيري، على أنها إحدى أشهر الأعمال السردية في القرن العشرين، ولعل السبب الأساسي وراء تلك الشهرة الكبيرة للرواية، تلك الضجة التي أحدثتها بسبب تناولها لمواضيع قد تبدو صادمة للمجتمع، ولطرحها أفكاراً غير تقليدية، وقد صدرت للمرة الأولى في السويد عام 1905.

صدرت الرواية في ترجمتها عن دار «روايات» في طبعتها الأولى عام 2019، بترجمة أحمد العلي، وقد وجدت اهتماماً كبيراً، خاصة أن الرواية تنفتح على أساليب جديدة ومبتكرة، كما أن موضوعها اتسم بالجراءة، فعندما صدر هذا العمل السردي واجه ردود أفعال قوية بسبب الطرح في تناول الكثير من القضايا الحساسية في المجتمع السويدي، وهو الأمر الذي أثار دهشة الكاتب نفسه الذي أوضح أنه لم يكتب عملاً عنيفاً، بقدر ما أنه قام بتأليف رواية جيدة تعمل على الغوص في النفس البشرية عميقاً وتحليل الكثير من الظواهر، حيث إن العمل يركز على العلاقة بين الرجال والنساء، والولادة والموت، والشباب والشيخوخة، فتلك الثنائيات هي بمثابة القاعدة التي ينهض عليها السرد، فهي الفكرة الأساسية في تأمل الحياة والمجتمع والوجود والأفكار ونقيضها، ومختلف المشاعر الإنسانية من قلق وانتظار وحب وكراهية، إذ يتكئ السرد على فكرة التحليل النفسي.

‏«دكتور كلاس»... رواية تنزع الأقنعة الزائفة



*قصة

وينفتح العمل على قصة الدكتور كلاس، من خلال يومياته، وهو الطبيب الذي يعالج مرضاه في عيادته في بيته، حيث يجد القارئ نفسه يمارس فعل التلصص على ذلك العالم الغريب والعجيب في العيادة بين الطبيب ومرضاه ومشاكلهم السرية التي يجب أن لا تذاع أو تخرج إلى العلن، وفي إحدى الأيام تدلف إلى تلك العيادة فتاة جميلة شقراء تدعى هيلغا، وهي متزوجة من أحد القساوسة والذي يكن لها حباً عظيماً إلى درجة الوله والجنون، لكن يبدو أن الملل قد تسرب إلى قلب هيلغا، حيث إنها قد اكتفت من تلك العلاقة الزوجية، وتريد أن تتملص من واجباتها الزوجية، فتلجأ إلى الدكتور كلاس لكي يستخرج لها شهادة طبية تثبت بأنها باتت غير قادرة على تلبية متطلبات العلاقة الزوجية، وقد كان ذلك طلباً غريباً أصاب كلاس بالدهشة والحيرة، فأصبح مشغولاً بالتفكير في مثل هذا الطلب ودوافعه، ويقوم الطبيب بنصح زوج الفتاة، وهو رجل مسن، بالابتعاد عن زوجته بعض الوقت، غير أن ذلك الأمر لم يجد نفعاً، والواقع أن كلاس نفسه أصبح مشغولاً بالفتاة، يفكر فيها في كل أوقاته، وبدأ يكره زوجها العجوز، ففكر في التخلص منه بخداعه أن هناك دواءً مفيداً للقلب لم يُطرَح في السوق إلا مؤخّراً، ليتناول الزوج المسكين قرص الدواء الذي هو عبارة عن «سيانيد البوتاسيوم» السام القاتل، وعلى الرغم من وفاة الزوج إلا أن طريق الطبيب إلى قلب الفتاة لم يكن ممهداً.

*يوميات

ولأن الطبيب ليس من حقه أن يحكي تلك الحكايات أو يشاركها مع أحد لكونها أسراراً، فقد كان يلجأ إلى كتابة اليوميات التي يمارس خلالها فعل التفكير والتحليل والتفكيك والإحاطة بالأشياء ورصدها بصورة يريد لها أن تكون منطقية قدر الإمكان، ويغوص الطبيب، من خلال تلك المذكرات، عميقاً في نفوس مرضاه، ويزيح الأقنعة الزائفة عن وجوههم؛ من أجل الوصول إلى حقيقة النفس الإنسانية.
*ذات

غير أن يوميات كلاس لم تكتف بتحليل البشر، فعلى الرغم من أنه كان يمارس فعل خلع الأقنعة من على الوجوه، إلا أنه كان بحاجة إلى أن يزيح القناع عن وجهه هو، ليتعرف إلى شخصيته الحقيقية، وكانت النتيجة أنه قد اكتشف أن ذاته كانت ضعيفة وهشة، على الرغم من أن الآخرين كانوا يجدون فيه شخصاً قوياً وصاحب حضور مميز، وربما ذلك ما جعل هذه الرواية تحتشد بالمواقف والأفكار الفلسفية والتناول المختلف لفكرة الذات والوجود.
*أساليب
الرواية عامرة بالمتعة ومترعة بالجمال، وتقدم الكثير من المشاهد والصور للحياة والبشر، والمواقف المختلفة، والأفكار والرؤى، بأسلوبية التحليل النفسي التي اشتهر بها الكاتب يلمار سودربيرى، الذي قدم للمكتبة الكثير من الأعمال المشابهة في فكرتها لهذه الرواية التي كان أكثر ما يميزها هو بناء الشخصيات التي تتحرك على مسرح الحكاية، فلكل منها قصتها ووجعها الخاص، حيث يرسم السرد الخريطة النفسية لشخصيات العمل بصورة مميزة، وكذلك استعان الكاتب بتقنية الوصف القوي الذي يجعل القارئ يتعلق بالعمل وتفاصيله الكثيرة، ولعل براعة المؤلف تكمن في أن الرواية جاءت على طريقة أسلوب اليوميات، وتستخدم ضمير المتكلم، للتعبير عن ما يمر به الطبيب في يومه من أحداث وشخصيات، وما تباغته من أفكار يختار بعضها ليسجلها، والأهم أن هذه اليوميات ليست رصداً يومياً مباشراً إنما تحليلاً ثاقباً للشخصيات ولذات كاتب اليوميات، فالطبيب إذ يلاحظ الآخرين ويسبر أغوارهم، يتحولون في الوقت نفسه إلى مرايا يستكشف فيها مواقفه ودوافعه ويستعيد معها الذاكرة المرتبطة بما يلامسه مع تلك الشخصيات، وقد وجدت الرواية الكثير من الإشادة من قبل نقاد وكتاب كبار، فقد ذكرت الكاتبة الكندية مارغريت آتوود في تقديمها الترجمة الإنجليزية للكتاب، بأنه كلما طلعت حركة أدبية في العالم، وجدت في رواية «دكتور كلاس»، تطبيقاً لمفهومها الجديد، وكأن الرواية لا تشيخ، بل تُكتب كل يوم، حيث تنهض الرواية من المدرسة الواقعية للأدب والتي أسسها الفرنسيون في القرن التاسع عشر، لكنها تتجاوز حدود تلك المدرسة بحرية.
*براعة
العمل السردي يؤكد على براعة يلمار سودر بيري «1869-1941»، فهو صاحب بصمة وأسلوبية ومفردة خاصة، ومعظم رواياته جاءت بطريقة أسلوب التحليل النفسي، ومن أهم مؤلفاته الأخرى «اعترافات»، و«مارتن بريك وفترة صباه»، و«اللعبة الصارمة»، وإلى جانب كونه روائياً، فقد كان بيري كذلك كاتباً مسرحياً وشاعراً وصحفياً، وعرف كذلك بظهور الشخصيات الحزينة والمحبوبة في الوقت نفسه، وقد اشتهر بأنه قد قدّم صورة غنية ومعاصرة للعاصمة السويدية ستوكهولم حيث نشأ، وقد حظي بتقدير كبير من جمهور النقاد والقراء في بلاده.

*اقتباسات
«لم أشهد صيفاً كهذا من قبل، وطوال الوقت، تتعلق غيمة غبار ثخينة لا تريد أن تتزحزح».
«ولدت في وضعية المراقب، وأردت الجلوس دوماً مرتاحاً، ناظراً إلى الناس يتحركون على المسرح».
«حملت وحدتي معي واخترقت الحشود وهي تطل من داخلي مثل حلزون في بيته».
«لا بد أن أعري وجهي لشخص واحد غيري، واحد غيري يعرف من أنا».
«محزن أن يمضي المرء حياته وحيداً، حاملاً روحاً قاحلة جرداء، وهو يبحث عما يفعله لكي يشعر أنه إنسان».
«أكثر الحالات سعادة هي تلك التي يعيشها أغلب البشر دون شعور بالحاجة إلى احترام الذات».
«العزلة بالنسبة لبعض الأشخاص، ليست حالة دخلوا فيها، بل سمة مُشكّلة لشخصيتهم».
«من الظلمة إلى الظلمة... أيتها الحياة، لست أفهمك!».
«عبرت الحياة إلى جانبي، ولم ترني».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/29juvfhx

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"