عادي

هل حان وقت التخلي عن هيمنة الدولار؟

02:53 صباحا
قراءة 3 دقائق
سيمون تيلفورد *

في ستينيات القرن الماضي، اشتكى وزير المالية الفرنسي، فاليري جيسكار ديستان، من أن هيمنة الدولار الأمريكي منحت الولايات المتحدة «امتيازاً مفرطاً» للاقتراض بثمن بخس، بالمقارنة مع بقية دول العالم، ومنذ ذلك الحين وحلفاء الولايات المتحدة وأعداؤها، على حد سواء، يتذمرون من ذلك.
الامتياز المفرط من هيمنة الدولار الأمريكي ينطوي على أعباء باهظة تثقل كاهل القدرة التنافسية التجارية، وسوق التوظيف في الولايات المتحدة، والتي من المرجح أن تزداد تدريجياً وتزعزع الاستقرار، مع تقلص حصة الولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي.
وتعود فوائد هيمنة الدولار بشكل أساسي إلى المؤسسات المالية والشركات الكبرى، ولكن تكاليف ذلك يتحملها العمال بشكل عام. ولهذا السبب، تهدد الهيمنة المستمرة للدولار بتعميق حالة عدم المساواة، وكذلك الانقسام السياسي في الولايات المتحدة.
ولكن هيمنة الدولار ليست أبدية، فمنذ سنوات والمحللون يحذرون من أن الصين، وقوى أخرى، قد تقرر التخلي عن الدولار، وتنويع احتياطياتها من العملات لأسباب اقتصادية، أو استراتيجية. وحتى الآن، لا يوجد سبب وجيه للاعتقاد بأن الطلب العالمي على الدولار آخذ في التراجع. إلا أن هنالك طريقة أخرى يمكن للولايات المتحدة أن تفقد بها مكانتها كمصدر لأكبر احتياطي من العملات المهيمنة في العالم، إذ بإمكانها التخلي طواعية عن هيمنة الدولار لأن التكاليف الاقتصادية والسياسية المحلية قد زادت بشكل كبير.
لقد تخلت الولايات المتحدة، بالفعل، عن الالتزامات متعددة الأطراف والالتزامات الأمنية المختلفة خلال إدارة الرئيس دونالد ترامب، ما دفع خبراء العلاقات الدولية لمناقشة ما إذا كانت البلاد ستتخلى عن الهيمنة بمعنى استراتيجي أوسع. كما يمكن لأمريكا التخلي عن هيمنتها النقدية بطريقة مماثلة، فحتى لو كان جزء كبير من العالم يريد أن تحافظ الولايات المتحدة على دور الدولار كعملة احتياطية، مثلما يرغبون في استمرارها بحفظ الأمن العالمي، يمكن لواشنطن أن تقول ببساطة إنها لم تعد قادرة على تحمّل الأعباء المالية المترتبة على ذلك.
إن هيمنة الدولار تنبع من الطلب المتزايد عليه في جميع أنحاء العالم. ويتدفق رأس المال الأجنبي إلى الولايات المتحدة لأنها ملاذ آمن للأموال، ولأن هنالك عدداً قليلاً من البدائل الأخرى.
ولهيمنة الدولار أيضاً عواقب توزيعية محلية، أي أنها تخلق رابحين، وخاسرين داخل الولايات المتحدة. والفائزون الرئيسيون هم البنوك التي تعمل كوسطاء، ومتلقين لتدفقات رأس المال الداخلة التي تمارس نفوذاً مفرطاً على السياسة الاقتصادية الأمريكية. والخاسرون هم المصنعون، والعمال الذين يعملون لديهم. كما أن الطلب على الدولار يزيد من قيمته، ما يجعل الصادرات الأمريكية أكثر كلفة، ويحد الطلب عليها في الخارج، ما يؤدي إلى تراجع في الأرباح، وخسائر في وظائف قطاع التصنيع.
ومن المرجح أن تزداد التكاليف المحلية لاستيعاب التدفقات الرأسمالية الكبيرة، وتصبح أكثر زعزعة للاستقرار الأمريكي في المستقبل. ومع استمرار نمو الصين والاقتصادات الناشئة الأخرى، واستمرار تقلص حصة الولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي، ستنمو تدفقات رأس المال إلى الولايات المتحدة لتصل إلى حجم الاقتصاد الأمريكي.
وبالنظر إلى هذه الضغوط الاقتصادية والسياسية المتزايدة، سيصبح من الصعب بشكل متزايد على الولايات المتحدة تحقيق نمو أكثر توازناً، وتكافؤاً، مع الحفاظ على مكانتها ملاذاً آمناً لرؤوس المال في العالم. وفي مرحلة ما، قد لا يكون أمام الولايات المتحدة سوى بديل ضئيل للحد من واردات رأس المال لمصلحة الاقتصاد الأوسع، حتى إذا كان ذلك يعني التخلي طوعاً عن دور الدولار كعملة احتياطية مهيمنة في العالم.
وقد يكون من المنطقي أن تتخلى الولايات المتحدة عن هيمنة الدولار، الأمر الذي سيؤدي إلى إجبار الصين، ومنطقة اليورو، على نشر مدخراتها المالية الزائدة في الداخل، الأمر الذي يتطلب منهما إجراء تعديلات كبيرة على نماذجهما الاقتصادية حتى يتمكنا من تحقيق نمو أكثر توازناً، وعدلاً. باختصار، قد يؤدي التخلي عن هيمنة الدولار إلى فتح الطريق أمام الاقتصاد الأمريكي ليصبح أكثر استقراراً وكفاءة.

* محلل اقتصادي بريطاني (فورين أفيرز)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"