الإرهاب يدمر الحضارات

05:39 صباحا
قراءة 4 دقائق
بلغت الإدانات الدولية من المواطنين والحكومات ما يقرُب من الحمّى في شدتها، مع شعور الناس بالذعر والاشمئزاز لما يقوم الإرهابيون بتحطيمه وإتلافه في سوريا، إلى جانب ما يفعلونه في أماكن أخرى مثل الموصل ونمرود في العراق، وفي إفريقيا وآسيا بصورة متزايدة، من الصومال إلى تمبكتو في مالي، وصولاً إلى باكستان وما بَعدها .
ويستمر المسؤولون والمواطنون في سوريا بتنظيم حملات شعبية تراثية وورش عمل لإنقاذ تراثنا العالمي المشترك الذي ظلّ في رعايتهم وحمايتهم ألوف السنين . ولكن هذا التراث الإنساني لم يسبق له أن تعرّض أبداً لما يتعرض له اليوم من تخريب وتهديدات خطرة، بينما يحتدم الجدال في العالم حول الكيفية المثلى للحفاظ على هذه الآثار النفيسة التي وصلت إلينا من العالم القديم، في خضم الحرب والتطرف الديني .
ومن بين الموضوعات التي يدور حولها الجدل، ما إذا كان ينبغي على جامعي الآثار العالميين، والمتاحف- وحتى المؤسسات الدولية وأجهزة الشرطة، أن يتوقفوا عن إعادة الآثار التي يُشتبه بأنها مسروقة، إلى البلاد التي أتت منها، بما في ذلك آلاف القطع الأثرية من سوريا . ويُجادل بعض مديري المتاحف، وعلماء الآثار، وتجار الآثار والتحف القديمة، مؤيدي الاقتراح الذي يُحبّذ الاحتفاظ أو التشارك بالآثار المعرضة للخطر، التي تم إخراجها من بلدان المصدر . وفي هذا السياق، يعني "التشارك" تقاسُم آثار الدول، وفق النظام الاستعماري- وحتى الاستشراقي- الذي تمّ تطبيقه على الأغلب في مصر، والعراق، وتركيا وأفغانستان، لتقاسُم ملكية الآثار التي اكتشفت بالتنقيب والحفريات، في بدايات القرن العشرين . ويسارع أنصار التشارك، في العادة إلى الإشارة إلى أن الدول المتقدمة، سوف تحتفظ بذخائر الدول المعرضة للخطر في أمان ولكن ليس إلى الأبد . ولكنها على الأقل سوف تحتجزها مؤقتاً إلى أن ينتهي الصراع، ويصبح بالإمكان ضمان سلامة هذا التراث الذي لا يُعوَّض بصورة مؤكدة .
وكما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" هذا الأسبوع، بالنظر إلى العنف في العراق وسوريا وأفغانستان وشمال إفريقيا، يدافع المدير السابق لمتحف والترز للفنون في مدينة بلتيمور عن ضرورة توَخّي المتاحف للحذر من التسرع في إعادة الآثار . ويستند في تبريره إلى الخوف المزعوم على سلامة الآثار عندما تعود إلى بلد المصدر .
ولم ألحظ حتى الآن تأييداً واسعاً لهذه الحجة في سوريا، لأنها لو اعتُمدَت فقد تؤدي إلى تأخر خطر في إعادة الآثار السورية المنهوبة والمهرَّبة . والمسؤولون والأكاديميون السوريون الذين التقيتُ بهم يُبدون معارضة ساحقة لوجهة النظر هذه، وكذلك الجمهور السوري، وقد أشار بعضهم إلى أن استغلال حُمّى التدمير من قِبل مجرمي "داعش"، للترويج لعدم إعادة الآثار، يسعى إلى تبرير ممارسات مشبوهة تُشتمُّ منها رائحة الاستعمار الجديد .
وفي واقع الأمر، اكتسبت إعادة الآثار فوراً دعماً كبيراً في أوساط المهتمين بالآثار في السنوات الأخيرة، وهذا هو موقف المسؤولين عن الآثار في سوريا . كما تلقى الحجة السالفة الذكر، معارضة أيضاً من الهيئات المتخصصة في الأمم المتحدة، بما فيها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، التي تعارض بشدة اكتساب المتاحف وتجار الآثار للأشياء القديمة إذا كانت قد خرجت من بلدانها الأصلية بعد عام 1970 .
وتُركز سياسة "اليونسكو" التي تحظى بمشاركة واسعة النطاق، على إعاقة تهريب الآثار عن طريق تقليص الطلب، مع المحافظة على سيادة دول المصدر . كما أن إعادة الآثار، منصوص عليها في المعاهدات والقوانين والأعراف الدولية، وفي قوانين العديد من الدول، بما فيها دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا .
والاتجاه الحالي هو أن المتاحف والجهات التي تتعامل بالقطع الأثرية والأعمال الفنية، توافق على إعادة الآثار الموثقة بصورة مبهمة، أو المختلف عليها إلى سوريا، وهي الآثار التي تمّ الحصول عليها على الأرجح في ظروف مشبوهة .
نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن ريكاردو إيليا، عالم الآثار في جامعة بوسطن، الذي يعتقد أن السوق الغربية للآثار تشجع على نهب المواقع الأثرية العالمية، قوله "كانت المسألة مسألة وقت فقط، قبل أن يحاول بعضهم في أوساط جمع الآثار، استغلال هذا الكابوس الثقافي لمصلحتهم بتأييد الاحتفاظ بالآثار المنهوبة في أماكن أخرى" .
ولكن بعض خبراء الآثار يقولون إن النهب من قبل الإرهابيين والجماعات المتطرفة في سوريا يتحدى عقيدة اليونيسكو، لأن الآثار التي لا يمكن تعويضها، ينبغي أن تعتبر ملكية مشتركة لجميع الجنس البشري وأن إعادتها بالجملة إلى بلدانها تهدد التراث الثقافي للبلدان التي يُفترض أنها تعود عليها بالنفع . وتدّعي هذه الحجة أن دول المصدر قد لا تكون قادرة على حماية آثارها والحفاظ عليها، ولا سيّما أثناء فترات الصراع العنيف مثل الصراع المحتدم في سوريا والعراق .
ولكن هذه الحجة تلقى الرفض على نطاق واسع حتى الآن . ويحض اتحاد مديري متاحف الفنون، الذي يوزع مبادئ توجيهية لنحو 250 متحفاً في الولايات المتحدة، أعضاءه على التعاون التام عندما تتعرض مقتنيات تلك المتاحف من الآثار للتحدي، كما يؤيد الاتحاد إعادة الآثار السورية المنهوبة والمهربة فوراً . وهذه الممارسة هي المفضلة، لمنع إضعاف حق سوريا في حيازة وحماية آثارها المسروقة، أو التشويش عليه، فوزارة الثقافة السورية، والمديرية العامة للآثار والمتاحف، التابعة لها، قادرة تماماً- كما تقول منظمة اليونيسكو- على حماية الآثار، وتهيئتها للعرض على السياح، فور انتهاء الأزمة .


فرانكلين لامب
* أستاذ القانون الدولي في "نورث ويسترن كوليج" في ولاية أوريغون الأمريكية (موقع يوراسيا ريفيو)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"