جرائد قديمة تضيء روح النهضة اللبنانية

كتبت بخط أيدي طلاب الجامعة الأمريكية في بيروت
00:01 صباحا
قراءة 5 دقائق
بيروت - نقولا طعمة:
عثر على عشرات المنشورات المخطوطة بخط اليد في أرشيف مكتبة الجامعة الأمريكية في بيروت، وهي مجلات وجرائد تعود للفترة الممتدة بين عامي 1899 و1933 . وخلال تفحصها تبين أن طلاب الجامعة في ذلك العصر دأبوا على كتابتها وإخراجها وتنضيدها ووضع الرسوم لها بشكل متواصل ومتنوع، ومنهم من أصبح من كبار المفكرين والأسماء اللامعة في الحياة الأدبية والفكرية والثقافية والعلمية والفنية أمثال آميل البستاني، وشارل مالك، وعمر الأنسي، وجورج عطالله، وأحمد طوقان النابلسي، ووديع حداد، وأنيسة نجار، وأنطون سعادة .
بلغ عدد المنشورات 46 منشوراً، بينها 38 منشوراً مكتوب بكامله بخط اليد . أما المجلات الباقية فتضم أربع مجلات دوّن جزء منها باليد وطبع الجزء الآخر بالآلة الكاتبة، و4 مجلات طبعت كلّها على الآلة الكاتبة . ومنها 24 مجلة بالعربية و12 بالإنجليزية وواحدة فقط بالفرنسية، و5 مجلات كانت بالإنجليزية والعربية معاً، ومجلة كانت بالإنجليزية والفرنسية ومجلة كانت ثلاثية اللغات .
ورغم كون أولى المجلات المعروضة تعود إلى العام ،1899 "فقد يكون صدر غيرها عن طلاب الجامعة قبل ذلك التاريخ وهي غير معروفة"، كما تعتقد رئيسة نادي الرئيس في الجامعة الدكتورة منى خلف التي اكتشفت المجلات، مضيفة أن "هناك أعداداً ناقصة، ورغم ذلك فالمجلات المعروضة تشكل كنزاً من المعلومات عن اهتمامات طلاب ذلك الزمان ونشاطاتهم المتعددة، وتظهر تطور الحياة الطلابية الجامعية في الثلاثين سنة الأولى من القرن العشرين" . وقالت إن "هذه المجلات رغم اختلافها كانت تركز على مسائل تهم الجميع، وتشمل الحياة الطلابية وخطب الاحتفالات والتعليم المختلط والمرأة والسياسة والحب والشعر والرياضة والفكاهة والرسم وغيرها" .
وأوضحت "خلف" أنه "رغم تعدد غايات هذه المجلات فهي كلها كانت مشجعة من إدارة الجامعة، فحتى في تلك الأيام الغابرة، كان التعليم الجامعي لا يقتصر على ما يتعلمه الطلاب في الصف، وكانوا يشجعون على قراءة الكتب والمجلات خارج إطار البرنامج الدراسي" .
كما أظهرت المجلات أيضاً جمعيات نشأت في الجامعة تولت إصدارها، مثل "جمعية اتحاد الطلاب" التي كانت مثل برلمان مصغّر للطلاب، و"الجمعية العلمية العربية" . أما جمعية "العروة الوثقى" فناصرت اللغة العربية الفصحى كتابة وكلاماً . وحسب مصادر في قسم الأرشيف في مكتبة الجامعة، فقد صدرت نسختان من كل مجلة، واحدة تداولها الطلاب وأخرى حفظت في المكتبة .
أهمية أخرى لهذه المجلات أنها "تبرز اهتمامات الطلاب مع خصوصيات لكل كاتب، أو اعتماد الخط الجميل الذي يزين صفحاتها، أو احتوائها على رسوم أبدعتها ريشة رسامين ذاع صيتهم، مثل عمر الأنسي"، كما تقول خلف .
وتميزت المجلات والجرائد بخصائص في الشكل وفي المضمون، وتناولت موضوعات مستجدة على طابع حياة العصر، ونقاشات فكرية طارئة، وحملت أسماء بعيدة المعاني، وأخرجت في أطر وأشكال جريئة وطموحة .
في الشكل، تراوحت المجلات في الحجم بحسب تواريخ الصدور، والمراجع التي أصدرتها، وحملت تسميات منها العادي ومنها اللافت فكانت عناوين مثل: "ثمرات الأذهان"، و"المبدأ الصحيح"، و"غادة الفكر"، و"زهرة الكلية"، ومنها ما أشار عنوانه إلى قيم العصر التقليدية مع نزوع نحو الحداثة مثل "العفة"، و"العصر"، و"الضوء"، و"الشكل الخامس للهلال" .
العناوين خططت بخط هواة فنانين من الطلاب، التزمت قواعد التخطيط، ورسم بعضها بخطين متقابلين، وزينت عناوين بعضها برسومات فنية بيد الطلاب، وكذلك عناوين المقالات المنشورة، فإذا كانت عن الحب زينت بوردة كما في قصيدة "بين حمرة الورد وحمرة الخد" لجورج عطالله، وإذا كانت في الفكر أرفق بها رسم مشعل . ووضع الطلاب رسومات متناسبة مع موضوعات المقالات والأخبار المنشورة كما في مقال "المرأة في الشرق"، و"المرأة والمرآة" . وفي مقال عن الرقص الحديث الوافد مع الحداثة الغربية، رسمت رقصة بين رجل وامرأة وأخرى تظهر حضوراً متفاوت الأعمار والانتماءات ولكل حركة ميزة .
في المقالات السياسية، كتب كاظم الخالدي في "العروة الوثقى" مقالة تشجع الجيوش العربية على التقدم ولا يعرف عن أية معركة يتحدث ولا مع أي عدو في العام 1933 و،1943 وقد توجت المقالة الحماسية بصورة معركة حربية مرسومة وملونة بخط اليد . تطرقت بعض المجلات إلى مواضيع رياضية، ولم يغب الإعلان المرسوم والمزين باليد عن المجلات . في العروة الوثقى سنة ،1942 لفت إعلان: "أقصد محل مجذوب أخوان" للنظارات، وبالإنجليزية للإعلان عينه: "Do your glasses fit the occasion"، مع صورة جذابة لوجه سيدة تضع النظارات على عينيها بوضعيات متنوعة، وكذلك صفحات التسلية إنْ بالرسوم، أو النكات، مثل صورة رأس انسان تقلب الصورة لوضعية أفقية فيتحول الرسم إلى رأس حصان .
وتراوحت الموضوعات، بين الفكري المتعلق بأمور ذاتية، والسياسي المتعلق بقضايا العصر، والثقافي - الفكري كما في نقاشات مستجدة على العصر والمنافية للروح التقليدية المحلية، خصوصاً منها الدينية الطابع، كقضايا الحجاب، والتطور من خلال الداروينية .
الدكتورة خلف تناولت بعض الجوانب من الموضوعات وإشكالياتها، وأهميتها، وقالت: "قيمة الجرائد والمجلات أنها تضيء على مستوى الابداع لدى طلاب الجامعة، وكم كانوا يهتمون بمواضيع مختلفة، فالفنان عمر الانسي، مثلاً، كان يقدم التصاميم والشروحات الفنية لهذه المجلات" .
كان الطلاب مندفعون يؤمنون بقضية ما وقد لحقوا قضيتهم، وهناك مواضيع تتعلق بالعصر كجدل الحجاب في ذلك الوقت، والحرية، وحرية الاعتقاد، وتظهر إحدى المجلات الاختلاف الذي وقع بين الطلاب على نظرية داروين، وتروي خلف أن "إدارة الجامعة لم توافق على تبني عدد من الطلاب للداروينية أوائل القرن الماضي، وطردت بعض الطلاب من الجامعة لأنهم عبروا عن قبولهم لنظرية داروين، فالجامعة أسسها الآباء "البريسبيتيريون" المتشددون دينيا، والذين يرفضون الداروينية" . لكن خلف تعيد الطمأنينة على مصير الطلاب بعد أن "سمح لهم بالعودة إلى الجامعة بعدما اعتذروا وأعلنوا عن خطأ اعتقادهم" .
وعن كيفية العثور على الجرائد، ولماذا نادي الرئيس هو المكتشف، قالت خلف: "ظهرت بعض من المنشورات في معرض عام العام المنصرم، ففكرت أن أبحث عن المزيد منها، "غطست" في الأرشيف ورحت أبحث فعثرت على الكثير منها مكتوباً بخط اليد، وتعود أولها لسنة ،1899 وظل الطلاب يصدرون هذه المجلات حتى سنة 1933" . وقالت: "الناس الذين شاركوا في هذه المجلات أسماء بارزة، مثلاً شارل مالك كتب قصيدة بالإنجليزية عن الحب، وآميل بستاني ظهرت له اهتمامات بالرسم، وكثيرون آخرون أسهموا في فترات مختلفة بكتابات وآراء ورؤى متنوعة" .
ولمست "خلف" أن "الكتابات أشارت إلى التفتح والانفتاح والرغبة في التعلم، في عصر أقدم من عصرنا بكثير، فالجرائد أظهرت أن الحياة كانت متقدمة في ذلك العصر، وهي روحية نفتقدها اليوم في حياتنا" .
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"