فصل المقال في سياسة الإمارات تجاه السودان

00:56 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. صلاح الغول*

ولج الصراع الأهلي في السودان في سنته الثانية، بلا أي بوادر على انتهائه قريباً، أو قبول طرفيه (الجيش السوداني بقيادة عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو الشهير ب «حميدتي») هدنةً مؤقتة قصيرة أو طويلة لوقف القتال لتسهيل إيصال وتوزيع المساعدات الإنسانية، أو حتى الجلوس إلى مائدة التفاوض لمناقشة كيفية تسوية الصراع. بل على العكس، يبدو أنّ كلا الطرفين يتمسكان بتحقيق أهدافهما كاملةً غير منقوصة. ويبدو أنهما يتعاملان مع الصراع على أنه مباراة صفرية؛ لابد أن يكسب أحدهما كل شيء، ويخسر الآخر كل شيء، ويطبقان استراتيجية الحد الأقصى في إدارة مجريات القتال.

كل ذلك يأتي على حساب أزمة إنسانية فادحة خلّفها الصراع، تتمثل في آلاف القتلى والجرحى، غالبيتهم الغالبة من المدنيين، وملايين النازحين واللاجئين في الداخل والخارج، وخراب اقتصادي، وانعدام الأمن الغذائي والصحي، وجملة التدهور البالغ وربما غياب الأمن الإنساني في ربوع السودان من أقصاه إلى أقصاه، ومن شرقه إلى غربه؛ حيث يتمدد القتال رويداً رويداً أو بغتةً، حاملاً معه مزيداً من الدم والتخريب والدموع.

وكان الأجدر بقادة السودان وساسته أن يوظفوا الأدوات الدبلوماسية في حصر الصراع أو حصاره في مناطق محددة، وبين فاعلين قليلين؛ خشية انتشاره داخلياً وخارجياً؛ وما لذلك من تداعياتٍ خطيرة على إطالة أمد الصراع، ودخوله في دائرةٍ مفرغة مخيفة. ولكن هؤلاء القادة وأولئك الساسة، ولاسيما في صفوف الجيش كونه يهيمن على الحكومة السودانية، لا ينفكون في الدخول في معارك جانبية لا طائل من ورائها، ولا مغزى لإثارتها، ولا ناقة ولا جمل لهم فيها، حتى ولو حققوا انتصارات حقيقية أو متخيلة في هذه المعارك.

ومن أهم هذه المعارك واحدةٌ طالت دولة الإمارات؛ حيث يزعم قادة الجيش والحكومة في السودان بأنّ أبوظبي تنحاز إلى قوات الدعم السريع سياسياً، وأنها تمدهم بالمال والرجال والسلاح، وتوفر لهم سبل التداوي والعلاج.

ولا أجد في عقلي نشاطاً للرد على هذه الاتهامات، التي عرضها الإخوة السودانيون على أكثر من منبر دولي وإقليمي، ولاسيما مجلس الأمن الدولي؛ لأن أوسط ما يمكن أن تُوصف به أنها بلا أساس واقعي يدعمها ولا دلائل بينة تثبتها. وطالبت الحكومة السودانية مؤخراً بالتئام جلسة طارئة للمجلس لبحث المسألة. ثم إنّ الدبلوماسية الإماراتية كفتني مؤونة الرد. ففي رسالة إلى مجلس الأمن الأسبوع المنصرم، رفضت وزارة الخارجية هذه الاتهامات؛ مبينةً أن «كافة الادعاءات المتعلقة بتورط الإمارات في أي شكل من أشكال زعزعة الاستقرار في السودان، أو تقديمها لأي دعم عسكري أو لوجستي أو مالي أو سياسي لأي فصيل في السودان... هي ادعاءات لا أساس لها من الصحة وتفتقر إلى أدلة موثوقة لدعمها».

ولعل هذا يستلزم منا تحرير الموقف الإماراتي من الصراع السوداني. والواقع أن ثمة عدة متغيرات تحكم هذا الموقف، وتحكم مساره، وهي: النزعة الإنسانية الغالبة على السياسة الإماراتية تجاه الصراعات الدولية حول العالم، ومصالح دولة الإمارات في السودان ومنطقة القرن الإفريقي، والعامل الإخواني أو دور جماعة الإخوان المسلمين في الحرب الأهلية.

وإذا بدأنا في توضيح أبعاد الدور الإنساني الإماراتي تجاه الصراع، لوجدنا أنه برغم ما نالها من الأشقاء السودانيين، لم تتأخر الإمارات عن المشاركة في مؤتمر باريس بشأن السودان، وتعهّدت ب 100 مليون دولار دعماً للشعب السوداني. كما تم توضيح موقف دولة الإمارات الداعي إلى الوقف الفوري والدائم لإطلاق النار، والعمل على إيجاد حل سلمي للأزمة، من خلال العودة إلى المسار السياسي، وتكثيف العمل الجماعي والجهود المشتركة للدفع نحو وقف الصراع؛ بما يعزز أمن واستقرار السودان، ويؤدي إلى حقن الدماء، ويلبي تطلعات شعبه في التنمية والازدهار. وهذا ليس سلوكاً إماراتياً جديداً، وإنما مواصلة للدبلوماسية الإنسانية الإماراتية تجاه السودان منذ اندلاع حربه الأهلية قبل عام، كما يحكم سياسة الإمارات تجاه الخرطوم ومصالح دولة الإمارات في السودان ومنطقة القرن الإفريقي.

وقبل اندلاع القتال، كانت العلاقات الإماراتية-السودانية على أفضل ما يكون، وكان هناك مشروع إماراتي لتشغيل ميناء «أبو عمامة» على البحر الأحمر، والمنطقة الاقتصادية الخاصة في السودان بمبلغ 6 مليارات دولار. ومن باب المناكفة والكيدية، أعلن المسؤولون السودانيون إلغاء المشروع.

ولكن دور جماعة الإخوان المسلمين في الحرب الأهلية، واستعادتهم النفوذ في الجيش والحُكم في السودان تحت رعاية عبدالفتاح البرهان، الذي عمد إلى التحالف مع إيران والاستعانة بالأسلحة الموردة منها في مواجهة قوات الدعم السريع... أقول: هذان المتغيران أثرا بشدة على سياسة دولة الإمارات تجاه السودان.

* متخصص في العلاقات الدولية والقضايا الجيوسياسية

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2uy2kz4f

عن الكاتب

كاتب متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الجيوسياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"