أسطورة الذكاء مفتاحاً للنجاح المهني

22:37 مساء
قراءة 3 دقائق

د. راسل قاسم

إن السؤال عن ذكاء شخص ما، أو الحكم بما إذا كان ذكياً من عدمه، هو من أكثر الأسئلة التي تحتمل المغالطة، والتي يشوبها الخلط والتعميم.

عاش الإنسان آلاف السنوات دون أن يتعنّى البحث عن إجابة هكذا سؤال، أو التكلف بالتفكير فيه. حتى جاء الفيلسوف اليوناني أفلاطون منذ حوالي 2400 عام وأشار إلى صفة قريبة من الذكاء أطلق عليها اسم «قوة العقل»، وردها إلى ثلاث قدرات؛ معرفية، وعاطفية، ورغبة في الفعل. وتابع أرسطو من بعده مشيراً إلى أن العقل يتمثل بقدرة الإنسان على السيطرة على العواطف ومقاومة الغرائز.

الحقيقة المتروكة أنه وحتى اليوم لا يوجد تعريف جامع ومتفق عليه للذكاء البشري، حتى أن كلمة Intelligentia اللاتينية التي جاء بها المفكر الروماني شيشرون وشاعت في اللغات الأخرى بعدها، تم ترجمتها واستخدامها للدلالة على معانٍ مختلفة مثل الفهم والذهن والحكمة وغير ذلك.

على الرغم من هذا، نجدنا نسارع إلى رصف الرؤوس على سلم الذكاء بدءاً من المدارس في حلقاتها الدنيا، وصولاً إلى أروقة الجامعات ومن ثم المؤسسات والمحافل المهنية. الكثير من المؤسسات تعتمد اليوم على اختبار المتقدمين إلى الوظائف أو مستحقي الترقية أو المرشحين للمناصب الإدارية، وتستخدم لذلك مجموعة متنوعة من الاختبارات، إذا ما نظرنا إليها بنظرة فاحصة نستطيع بسهولة أن نردها إلى ما يعرف بمقاييس الذكاء. تلك المقاييس التي بدأت تشيع مع بداية القرن العشرين وكان في طليعتها مقياس ستانفورد-بينيه عام 1926 ثم مقاييس أخرى مثل وكسلر، وكاتيل، ورافين.

يمكن تجميع مقاييس الذكاء في زمرتين أساسيتين؛ منها ما يعتمد على مفهوم الذكاء العام، أي أن للإنسان قدرة عامة تؤثر في جميع المهام الذهنية. ومنها ما يعتمد على الذكاء المتعدد، والذي يقول بأن هناك أنواعاً مختلفة من الذكاء لكل منه خصائصه واستخداماته. وقد شهدنا في السنوات الأخيرة محاولات للخروج من متاهة قياس الذكاء من خلال الترويج لبعض أنواع الذكاء الأخرى، والتي اسُتغل بعضها للأسف تجارياً وتم تقديمها كحلول للنجاح الشخصي والمهني، ومنها الذكاء العاطفي ويشير إلى القدرة على التعرف الى مشاعر النفس والآخرين، واستخدام هذه المعلومات لتوجيه التفكير والسلوك. والذكاء الثقافي للإشارة على القدرة على التفاعل والتواصل بفاعلية في سياقات ثقافية مختلفة.

من العادل ألّا نخرج من معركة الذكاءات والمقاييس دون غنائم، وإذا ما اخترنا غنيمة مناسبة، فربما تكون الأنواع المختلفة من الذكاء التي جاء بها عالم النفس هوارد جاردنر ورتّبها في نظريته الذكاءات المتعددة كالتالي:

أولاً، الذكاء اللغوي وهو القدرة على استخدام اللغة للتعبير عن النفس وفهم الآخرين. في المجال المهني، يبرز هذا النوع من الذكاء بشكل خاص في مهن كالكتابة، الصحافة، والتدريس. حيث يعتمد النجاح على صياغة الأفكار بوضوح وإقناع.

ثانياً، الذكاء الموسيقي الذي يتضمن الحساسية تجاه النغمات والإيقاعات. المهنيون في مجالات كالأداء الموسيقي، التأليف، والتدريس الموسيقي يستفيدون بشكل خاص من هذا النوع من الذكاء.

ثالثًا، الذكاء المنطقي أو الرياضي ويُعنى بالتفكير المجرد والقدرة على استخدام الأرقام بفاعلية. يتجلى هذا النوع من الذكاء في مجالات مثل البرمجة، الهندسة، والتحليل المالي، حيث يتطلب التفكير النقدي والقدرة على حل المشكلات بطرق منهجية ومنظمة.

رابعاً، الذكاء الفضائي، الذي يُمكن الفرد من تخيل الأشكال والأبعاد في الفضاء. هذا النوع من الذكاء حيوي لمهن مثل العمارة والتصميم الجرافيكي.

خامساً، الذكاء الجسدي أو الحركي، الذي يشمل استخدام الجسم ويُعتبر أساسياً في مهن مثل الرياضة، والفنون التي تتطلب قدرة على التنسيق بين العقل والجسم.

سادساً، الذكاء الشخصي وينقسم إلى ذكاء داخلي أي الفهم العميق للذات، وذكاء بين الأشخاص يُركز على القدرة على فهم والتأثير في الآخرين. هذان النوعان من الذكاء مهمان في مجالات مثل التعليم والقيادة، حيث يساعدان في بناء علاقات مهنية ناجحة وفعالة.

على الرغم من طغيان الذكاء الرياضي بشكل عام، إلّا أنه لا يوجد أي دليل على أن الناجحين في مختلف المجالات لديهم معدل ذكاء مرتفع موحّد على أي من المقاييس. لذلك، ربما حان وقت قطع الشعرة بين صفتي الذكاء والنجاح.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdcvtaee

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"