بين التسلح و”إيبولا”

04:41 صباحا
قراءة دقيقتين
أولويات العالم وبالذات البلدان الكبرى عوراء، وقد يقول البعض عمياء . فالحروب التي شنت في السنوات الأخيرة كلفت الولايات المتحدة تريليونات الدولارات ونتائجها كانت كارثية، اجتماعياً واقتصادياً وصحياً على الضحايا وإلى حد ما على الجناة . ولو تخيل المرء للحظة أن هذه الأموال قد أنفقت في البلدان الأكثر فقراً ماذا كان سيحصل؟ هل كنا سنرى في بلدان غرب إفريقيا مرض إيبولا الذي يهدد بحصد أرواح الآلاف من البشر فيها، والانتشار في بلدان أخرى؟ وحتى في محاربة المرض نرى أن مقاربة البلدان الغربية له عوراء أيضاً . فهي تؤكد التطعيم الذي يعني بطريقة أخرى استفادة مباشرة لشركات الأدوية الغربية الضخمة . ولكن ذلك لن يوقف انتشار الأمراض في هذه البلدان .
فمرض إيبولا مهما كان مصدره فقد وجد بيئة حاضنة له . فبلدان غرب إفريقيا التي انتشر فيها المرض يفتك بها الفقر، وهي لا تملك مؤسسات صحية، وليس في قدرتها خلق المؤسسات التي تستطيع أن تحصر الأوبئة حينما تبدأ وذلك لأنها لا تملك القدرة على ذلك . والأدهى من ذلك، أن غزوة الخصخصة قد شملتها فأصبحت المؤسسات الصحية الخاصة على قلتها لا يمكن الاقتراب منها إلا لمن يملكون المال، ودمرت فيها المؤسسات الصحية العامة .
التسلح والأدوية لهما قاسم مشترك واحد . فكلاهما يفيد الشركات المنتجة له . وهذه شركات أصبحت قادرة على توجيه السياسات في البلدان الكبرى . ولذلك، أصبحت المقاربة للمشاكل التي تضرب أنحاء العالم تنطلق من مفهوم الربح . فحينما تبرز المشاكل السياسية تهرب الدول الكبرى أولاً إلى التهديد بالعنف وبالتالي إلى استخدامه . وكذلك الأمر حينما يطفو فجأة وباء صحي تهرع هذه البلدان إلى المنتجات التي تزيد الأرباح للشركات الكبرى . وفي الحالتين تبقى الأمراض السياسية كما الأمراض الصحية من دون حل . وفي كثير من الأحيان تتفاقم وتنتشر .
وليس في هذه الملاحظات من جديد، فهي ليست معروفة فحسب بل أصبح النقاش حولها يزداد في مختلف أنحاء العالم . ولكن البلدان الكبرى لا تعيرها اهتماماً لأنها تناقض أولوياتها . فهذه البلدان تؤكد دائماً أن أولوياتها حماية مصالحها، أي بطريقة أخرى حماية مصالح شركاتها . فهل من مصلحة الشركات المنتجة للسلاح ألا تجد له استخداماً؟ وهل من مصلحة الشركات المصنعة للأدوية أن يتم القضاء على البيئة المولدة للأوبئة الصحية؟ وهو يصب بالتأكيد في مصلحة شعوب كل العالم .
ولن تخدم مصالح الناس إلا حين تستجيب البلدان التي تدعي أنها تمارس الديمقراطية وتحاول فرضها على الآخرين لمصالحهم فيها وفي بلدان العالم الأخرى .
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"