لبنان وسؤال المصير

03:22 صباحا
قراءة دقيقتين

15 عاماً من الحرب الأهلية اللبنانية التي تصادف اليوم ذكراها ال 33 تكفي وحدها لتذكر كل الفواجع والآلام والمحن، من قتل عشوائي وعلى الهوية. ودمار هائل أصاب البشر والحجر، وانقسام سياسي وطائفي عبّده أمراء الحرب بالمتاريس وخطوط التماس وأجساد مئات الآلاف من الأموات والأحياء، ناهيك عن البنى الاجتماعية والهوية الوطنية وما أصابها من تمزق وتفتيت وتشويه.

ذكرى هذه الحرب الهمجية لا تزال تعيش في ذاكرة اللبنانيين بكل أهوالها ومصائبها، لكنها مع ذلك لم تكن درساً كافياً لأمراء الحرب إياهم الذين امتطوا الطائفية والمذهبية حصاناً يذودون به عن مواقعهم وسلطتهم بزعم الدفاع عن حقوق الطائفة أو المذهب. هم إياهم الذين أشعلوا النار في الهشيم ودمروا وطناً قبل ثلاثة وثلاثين عاماً ينفخون الآن نار الفتنة التي تكاد ينبعث لهيبها من رماد اعتقد كثيرون أنه خمد وانطفأ جمره إلى الأبد.

لبنان وبعد 33 عاماً على حربه الأهلية، لا يزال يواجه تحديات كبرى تتعلق بوجوده ككيان وطني جامع لكل أبنائه. فاتفاق الطائف الذي كان نتيجة مساومة داخلية على قاعدة تسويات إقليمية ودولية لم يحسم هذه التحديات أو جلها، إما لسوء في التطبيق أو نتيجة لتقصير وعدم رغبة، اضافة إلى مستجدات لم تكن في حسبان الذين وضعوا ذلك الاتفاق.

لبنان يقف الآن أمام سؤال مصيري يتعلق بمستقبله، هو كيف يمكن تجاوز أزمته الراهنة، الصعبة والمعقدة، والمقلقة، وتفادي تجدد حرب أهلية عبثية جديدة.

للرد على هذا السؤال، لابد بداية من تجاوز أسباب الحرب الأهلية السابقة، أولاً بنبذ الطائفية السياسية وإخراجها من التداول لأنها لا تؤدي إلا إلى إثارة العصبيات وتجذير الكراهية والانقسام، وخلق هويات لا وطنية قاتلة. وهذا الأمر لن يتحقق إلا من خلال بناء الدولة القوية والقادرة والعادلة التي تملك مشروعاً وطنيا عابراً للطوائف والمذاهب. ثانياً، تكريس ديمقراطية سياسية حقيقية من خلال أحزاب ديمقراطية فعلية تتجاوز الولاءات الدينية والطائفية. ثالثاً، تكريس الولاء الوطني كأساس للمواطنة على قاعدة الثواب والعقاب والحقوق المتبادلة. رابعاً، التأكيد على الديمقراطية الاجتماعية بما يؤمن الاستقرار والرفاهية للوطن والمواطن.

على اللبنانيين أن يخرجوا فوراً من تحت عباءة الطائفة والمذهب والحزبية الضيقة، والرهان على الخارج، أياً يكن هذا الخارج، والمباشرة في بحث خيارات سياسية داخلية تشكل مشروعاً وطنياً حراً لمواطنين أحرار، مشروعاً يجعل من لبنان نموذجاً فعلياً في المنطقة ينتسب إلى العصر. ولا شك في ان اللبنانيين لديهم من القدرة والقوة ما يمكنهم من تحقيق هذا الانجاز، إذا ما عقدوا العزم على الخروج من دوامة الحروب الأهلية وأهوالها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"