اختلف الفقهاء والدين واحد

02:14 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عارف الشيخ

نسمع دائماً في المجالس هذا السؤال: لماذا اختلف فقهاء الإسلام في المسائل المتعلقة بدين الإسلام، مع العلم بأن الدين واحد هو دين الإسلام، والمصدر واحد هو القرآن الكريم والسنة الشريفة والإجماع؟
أقول: ورب ضارة نافعة، ألا ترى أن التيسير تولد من رحم هذه الاختلافات؟ ثم إن الاختلاف ليس بين مذهب فقهي ومذهب فقهي آخر، بل حتى فقهاء المذهب الواحد تجدهم مختلفين فيما بينهم، فما يقول مغاربة المذهب المالكي على سبيل المثال غير ما يقول مشارقة المذهب المالكي، فالفريق الأول يأخذ بالأشد، والثاني يأخذ بالأيسر والأسهل وهكذا.
نعم... الدين واحد والحق واحد، لكن الفقهاء يختلفون في فروع مسائل الدين وليس في أصولها وهذا بعد إثراء للموروث الفقهي، لأن آراءهم اجتهادات فقهية، والفقيه إذا أصاب له أجران وإن أخطأ فله أجر واحد.
وطبيعي جداً أن يختلف الفقهاء المجتهدون في المسائل الفرعية، والسبب إما أن يرجع إلى اللغة العربية الواسعة التي تقبل الاحتمالات مثل قوله تعالى: {أو لامستم النساء وقراءة أو لمستم}.
ويمكن أن يكون السبب هو تعدد روايات الحديث مثل الحديث الذي يقول: (قنت الرسول صلى الله عليه وسلم شهراً ثم ترك)، والحديث الآخر الذي يقول: (كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقنت إلى أن توفي).
والحديث عندما يروى على لسان أكثر من واحد من الصحابة وعلى لسان أكثر من واحد من التابعين ومن بعدهم، فإن السند يؤثر في المتن (الحديث) قوة وضعفاً لأن الرواة ليسوا على مستوى واحد.
كذلك المجتهدون أنفسهم فمنهم من لا تثبت عنده أحاديث كثيرة فيعتمد على الرأي (القياس) كالإمام أبي حنيفة، ومنهم من يقدم عمل أهل مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم على غيرهم من الصحابة كالإمام مالك، ومنهم من يتغلغل في بادية العرب فيتعمق في دقائق اللغة كالإمام الشافعي، ومنهم من يعتمد على ظاهر النصوص قرآناً وسنة كالإمام أحمد بن حنبل وهكذا.
إذن فإن الاختلافات ليست عبثية بل لتفاوت أفكار المجتهدين في فهم النصوص كما يقول الدكتور وهبة الزحيلي رحمه الله تعالى، وطريقة استنباط الأحكام الشرعية منها.
من أجل ذلك فإن الاختلافات لا تفسر بأنها تناقضات بل هي رحمة وتيسير، وهي بالمفهوم الآخر إبراز للعجز البشري الذي لم يستطع أن يستوعب فهم ما أريد من هذه النصوص.

فماذا يفعل المجتهدون إذا ورد لفظ مثل (القُرء) الذي يطلق على الأطهار وعلى الحيضات، أو ماذا يفعل إذا كان فعل الأمر يقبل تحميله على الوجوب وعلى الندب أو على الكراهة في آن واحد مثل قوله عليه الصلاة والسلام: (احفوا الشوارب وأعفوا اللحى)، أو مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (من استطاع منكم الباءة فليتزوج)، والأمثلة كثيرة، أو مثل قوله تعالى: (لا إكراه في الدين)، حيث اختلف العلماء في نوع الخبر هنا هل هو خبر بمعنى النهي أو أنه خبر حقيقي.

واللغة العربية فيها الحقيقة وفيها المجاز، وفيها المطلق وفيها المقيد، ثم ألم يفد الفقهاء عندما أضافوا إلى مصادر التشريع الأربعة مصادر أخرى مثل الاستحسان والمصالح المرسلة والذرائع وغيرها مما يعيش العلماء اليوم على موائدها، ويحاولون أن يربطوا نوازل العصر الحديث بمثيلاتها في الزمن الماضي.

ومما لاشك فيه أن القياس وهو المصدر الرابع للتشريع في الإسلام هو أغنى المصادر وأوسعها، ومن توسع في القياس واجتهد لم يقل بأن قوله هو قول الله تعالى، ولكنه كان يقول: هذا رأيي فإن كان صواباً فمن الله تعالى وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان، وقد كفى قول مالك: كل منا راد ومردود إلا صاحب هذا القبر (الرسول صلى الله عليه وسلم).

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"