التجنس بجنسية بلد غير إسلامي

03:27 صباحا
قراءة 3 دقائق
الأصل أن يعيش المسلم في دار الإسلام، ويكون انتماؤه إلى بلد الإسلام، لكن قد ينشأ في بلد غير إسلامي أصلاً، أو أنه اضطر أن يرحل إلى بلد غير إسلامي من باب أكل العيش كما يقال أو لأسباب أخرى .
- وهو في هذه الحالة إما أن يكون مكرهاً أو مضطراً لكي يلجأ أو يعيش في بلاد غير بلاد الإسلام، أو أن يكون مخيراً غير مجبر على ترك بلده وجنسية بلده .
فالمضطر له حكمة في شريعة الإسلام، حيث إنه يعمل عندئذ بقاعدة: الضرورات تبيح المحظورات، ويأخذ عندئذ بأقل درجات الاضطرار حسب ما ورد في القاعدة الأخرى التي تقول: "الضرورة تقدر بقدرها" .
- لكن يا ترى ما هذه الجنسية التي تتحدث عنها؟
الجنسية هي نظام قانوني تضعه الدولة لتحدد به ركن الشعب فيها، ويكتسب الفرد عن طريقه صفة تفيد انتسابه إليها "انظر مبادئ القانون الدولي الخاص الإسلامي المقارن للدكتور أحمد عبدالكريم سلامة ص 37" .
- ورأي الشرع في اكتساب المسلم جنسية بلد غير إسلامي، أن هذا المسلم قد يكون مضطراً كأن يكون من أهل ذلك البلد أصلاً، فيجوز له أن ينتسب إلى ذلك البلد، ويحمل جنسيته، لأنه مضطر وللضرورة أحكام .
- ويلحق بالمضطر اللاجئون الذين يفرون من ظلم بلادهم إلى بلاد أخرى غير إسلامية، إلا أنها تمنح أمثالهم الأمن والأمان والحياة الكريمة .
- وقد ذهب بعض العلماء إلى أبعد من ذلك، فقال: يجوز للمسلم أن يتجنس بجنسية دولة غير إسلامية حتى لو كان ذلك لمصلحة ذاتية غير الضرورة، لكن بشرط أن يحافظ على شخصيته الإسلامية حتى لا يذوب في المجتمع الكبير .
- أما الشيخ علي الطنطاوي، رحمه الله تعالى، وهو الأديب الفقيه والفقيه الأديب فقال: "لا يجوز لمسلم أن يتجنس بجنسية دولة غير إسلامية، لأن ذلك يوجب عليه الالتزام بقوانينها وأوامرها، إلا إذا اضطر إلى ذلك اضطراراً، ولم يقل أو يعمل ما يخالف الشرع" (انظر فتاوى الشيخ علي الطنطاوي ص 163) .
- ويقول الشيخ خالد عبدالقادر: "ربما إقامة بعض المسلمين في بلاد الكفر أرحم من بعض بلاد الإسلام، إذ إن القوانين في البلاد الإسلامية استقي معظمها من فرنسا وبريطانيا وسويسرا وغيرها من الدول، فهل اذا استقر في بلد غير إسلامي يتعرض للمخالفة أكثر مما يتعرض لها في بلده الأصلي؟
من أجل ذلك فإننا لا نحرمه من الإقامة في تلك البلاد، طالما يتمكن من إقامة شعائر دينه، والمحافظة على أسرته من الضياع، وغاية ما نقول هو: إن إقامته من غير ضرورة مكروهة" (انظر كتابه فقه الأقليات المسلمة ص 608) .
- ويقول الدكتور وهبة الزحيلي: "ما دمنا نقول بجواز الإقامة في البلاد غير الإسلامية، فإنه يتفرع عنه جواز التجنس بجنسيتها أيضاً، لأنه ما هو إلا لتنظيم العلاقة، فهي تسهل لهم الأمور، وتسهل أيضاً الاستفادة من خدماتهم" .
- نعم . . وما يقال عن التجنس يقال عن العمل في تلك البلاد، إذ إن الضرورة والحاجة تبيحان ذلك، بشرط ألا يواليهم وينصرهم على بلاد الإسلام، وقد استدل المجيزون بقصة نبي الله يوسف حيث إنه سأل الملك أن يجعله يعمل لدى حكومته كما في الآية الكريمة: "اجعلني على خزائن الأرض" (الآية 55 من سورة يوسف .
والمعلوم أن شرع من قبلنا شرع لنا، ما لم يأت في شرعنا ما يخالفه .
لذا قال ابن عطية: "يجوز للرجل الفاضل أن يعمل لدى الرجل الفاجر أو الكافر بشرط أن يكون مفوضاً بحيث لا يكون مجبوراً أن يعمل بحسب اختيار الفاجر وشهواته" (انظر تفسيره المحرر الوجيز ج 8 ص5) .
وبذلك قال الزمخشري والبيضاوي والألوسي .

د . عارف الشيخ

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"