القتل بالتسبب

05:42 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عارف الشيخ

نسمع اليوم كثيراً بأن مجموعة من الشباب خرجوا بفلان إلى البر، وهناك قام أحدهم بقتله مباشرة، لكن بعد أن قام سائرهم بمساعدته، أو أن فلانة اغتصبت من قبل مجموعة أو من قبل أحدهم، إلا أن سائرهم قيدوها وربطوها وهكذا، وفي مثل هذه الصور لا تكون الجريمة منسوبة إلى شخص بعينه عادة أو أن الصورة لا تكون واضحة باعتبار أن لكل منهم دوراً معيناً وإن كان الهدف واحد وهو الإضرار بفلان من الناس.
ورغم أن الجماعة في الشريعة الإسلامية يقتلون بالواحد سداً للذرائع ولقول عمر رضي الله عنه «والله لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعاً» إلا أن القتل بالتسبب يحتاج إلى تفصيل؛ لأن القتل الجماعي يكون فعلاً مباشراً من قبل المجموعة دفعة واحدة وبإرادة واحدة أما القتل بالتسبب فلا يكون دافع القتل فيه موجوداً في البداية، أو لا يكون أحدهم عالماً بذلك بداية ولكن في النهاية يؤدي إلى القتل أو إلى الإتلاف أو الهلاك.
فلو ذهب أحدهم وشق بطن رجل آخر كان واقفاً أمامه، ثم قام آخر وحزّ رقبته فإن القصاص يكون على الثاني الذي حز الرأس مباشرة، هذا إذا كان القتل عمداً، وفي حال الخطأ فالدية على عاقلة الثاني، أما الأول الذي شق بطنه فما عليه سوى التعزير ولا يعد هذا النوع من القتل قتلاً جماعياً في نظر بعض الفقهاء؛ لأنه لم يحصل تمالؤ على قتله من قبل الجميع دفعة واحدة.
والقتل بالتسبب يأخذ حكم القتل المباشر عند الجمهور فيجب فيه القصاص كما يقول الدكتور وهبة الزحيلي، إذا قصد المتسبب إحداث الضرر، ويذكر الزحيلي ثلاثة أنواع للقتل بالتسبب: سبب حسي كالإكراه على القتل، وسبب شرعي كشهادة الزور على القتل، وسبب عرفي كتقديم الطعام المسموم لمن يأكله أو حفر بئراً في طريق القتيل وتغطيتها.
فالجمهور يرون أن هذا النوع من القتل يوجب القصاص؛ لأن الإضرار مقصود وإن كان غير مباشر، فإذا أكره إنسان إنساناً آخر على القتل وجب القصاص على المكره (بكسر الراء) والمستكره؛ لأن المكره متسبب في القتل بما يؤدي إلى القتل غالباً والمستكره باشر القتل عمداً وعدواناً مستأثراً بقاء نفسه.
أما أبوحنيفة- رحمه الله- فيقول: إن القصاص يجب على المكره دون المستكره لقول الرسول صلى الله عليه وسلم «عفي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» (رواه ابن ماجه) أما المستكره فاتخذه المكره آلة لتنفيذ القتل.
هذا والفقهاء عموماً يفرقون بين أن يؤمر شخص بالقتل وبين أن يكره على القتل، فالذي يؤمر بالقتل غير مكره على التنفيذ؛ لذا فإنه إذا كان صبياً مميزاً أو كبيراً مكلفاً ولا سلطان للآمر عليه يقتص منه على رأي الجمهور، والآمر يعزر وإذا كان للآمر سلطة عليه كسلطة الأب على ولده الصغير أو سلطة الحاكم على من هو تحت أمره فإن الإمام مالك يرى أنه يقتص من الآمر والمأمور.
والتسميم عند المالكية سبب موجب للقصاص إذا كان مقدمه عالماً بأنه مسموم وعند الحنابلة كذلك إذا كان مثله يقتل غالباً وفي الحديث «أن يهودية أتت النبي صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها النبي وبشر بن البراء، فلما مات بشر أرسل إليها النبي فاعترفت فأمر النبي بقتلها» (رواه أبو داود).
وبقي أن نعلم أن المتسبب إذا اشترك مع المباشر في جريمة القتل فإنه يأخذ حكم الضمان الذي قال عنه الحنفية بأن المباشر ضامن وإن لم يتعمد أو إذا اجتمع المباشر والمتسبب يضاف الحكم إلى المباشر.
فلو أمسك رجل شخصاً ليقتله الآخر اقتص من القاتل عند الحنفية وعلى الذي أمسكه التعزير، وهكذا عند الشافعية والحنابلة، لكن المالكية قالوا إن القصاص على المباشر للقتل وعلى المتسبب؛ لأن الدال كفاعله، والمتسبب يضمن وحده في حالة التعدي.
إذن فإن شهود الزور يقتص منهم إذا شهدوا في قتل إنسان؛ لأنهم تسببوا في قتله وإن لم يباشروا.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"