المشركون وجزيرة العرب (1-2)

00:49 صباحا
قراءة 3 دقائق
سألني أحدهم عن المراد بالحديث النبوي "أخرجوا المشركين في جزيرة العرب" الذي رواه البخاري ومسلم .
وفي حديث آخر يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماً) (رواه مسلم والترمذي وأبو داوود) .
وفي حديث آخر عن عائشة رضي الله تعالى عنها: (لا يترك في جزيرة العرب دينان) (رواه أحمد والطبراني في الأوسط) .
قال لي صاحبي: يفهم من هذه النصوص أن جميع من هم غير مسلمين يخرجون من جزيرة العرب، لكن الواقع يقول غير هذا، بل حتى الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه عندما أخرج اليهود من المدينة أخرجهم إلى خيبر فقط .
قلت له: إن الموضوع يحتاج إلى شيء من التفصيل، فالأحاديث التي ذكرتها صحيحة، لكن هناك استثناءات، بدليل أن أهل الذمة مستثنون دائماً، ويجري عليهم ما يجري على المسلمين ما لم ينقضوا العهد، فاليهود في المدينة لولا غدرهم لما أخرجوا وتركوا حتى يعيشوا بديانتهم اليهودية بجانب الإسلام .
وفي عهد عمر رضي الله تعالى عنه كان الأجراء والمماليك من غير المسلمين موجودين، بدليل أن قاتله هو أبو لؤلؤة المجوسي الذي كان عبداً مملوكاً للمغيرة بن شعبة ويعيش في المدينة مع أنه ليس مسلماً، إذن فإن مجرد الدين لا يكفي لإخراجهم من جزيرة العرب، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في حديث: (من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً) (رواه البخاري) .
كما أنه عليه الصلاة والسلام أذن لرسولي مسيلمة بدخول جزيرة العرب وقال: (لولا أن الرسل لا تقتل لضربت عنقيكما) (رواه أبو داوود وصححه الألباني) .
ومن هنا نفهم أن قوله عليه الصلاة والسلام: "أخرجوا" لا يفهم على عمومه، بل يستثنى منه أصحاب العهد والأمان، وكذلك الأجراء والخدم والسفراء وأمثالهم، وقد أجمع الصحابة على أن هؤلاء في أمان ويجب الدفاع عنهم .
ويقاس عليهم اليوم كل من يعيش على أرض جزيرة العرب من غير المسلمين، لأنهم إما سفراء ومراسلون لدول أجنبية لها سيادة، وإما أنهم أجراء وعمال وصناع دخلوا بالتأشيرة الممنوحة لهم من قبل دولنا .
ومن ثم فهم لهم من الحقوق كما عليهم من الواجبات، ولا يجوز الاعتداء عليهم بحكم أنهم يهود أو نصارى أو مشركون بشكل عام، وقد فرضت علينا الأمم المتحدة في قوانينها احترام الأديان والملل والطوائف بحكم أن اتباعها في الإنسانية سواء، وجميع دولنا وقعت عليها .
وبناء على هذا، فإن الأحاديث يجب أن تفسر بأن الإخراج يراد منه إخراج من اعتدى منهم علينا أو نقض عهده، وفي زمننا يعرف الإخراج بالإبعاد والحرمان من الإقامة .
كما أن الإخراج في الحديث يفسر بأن لا نعطيهم حق الإقامة الدائمة، أي أن يقيم الواحد منهم مدة ثم تجدد له إقامته وللدولة حق إخراجه إذا لم يحترم النظام والقانون .
وإذا سمح له بالبقاء فله التعبد بدينه في نطاق نفسه، لا أن ينافس بدينه دين الدولة أو يخرج على نظام الدولة، ولذلك لا يسمح لأي جالية الآن بأن ترفع علم دولتها على بيتها لأن ذلك تعد على حقوق السيادة .
ويدل على هذا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه مع يهود خيبر حيث تركهم على أموالهم وقال: (نقركم ما أقركم الله) (رواه البخاري) .
ويفهم هذا من قوله تعالى: "وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله . ." (سورة التوبة: الآية 6) .
والأهم من هذا أن أمر الإخراج لم يترك لي ولك، بل للحاكم، فليس لأي فرد أن يسيء إلى أي داخل إلى بلادنا بحجة أنه فهم من الآية والحديث كذا، بل عليه أن يبلغ السلطات المختصة التي تمثل الحاكم، والخروج على الحاكم محرم .

د . عارف الشيخ

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"