“الاتيكيت” في الاسلام (3-3)

02:28 صباحا
قراءة 3 دقائق
د . عارف الشيخ
بقي أن نقول: مثلما اهتم الإسلام "بالإتيكيت" الفردي، اهتم "بالإتيكيت" المجتمعي، فوضع ذوقاً معيناً ونموذجاً فريداً، لربط أفراد المجتمع ببعض، قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب" (الآية 11 من سورة الحجرات) .
وقال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها" (الآية 27 من سورة النور) .
وقال تعالى: "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر" (الآية 104 من سورة آل عمران" .
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ من خلقه قالت الرحم: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا ربي، قال: فهو لك" (الحديث رواه البخاري) .
وقال عليه الصلاة والسلام: تهادوا تهابوا رواه مالك في الموطأ .
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم أيضاً: "الإيمان بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان" (رواه مسلم) ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة، الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها" (رواه مسلم) .
وقال عليه الصلاة والسلام: "إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ومنعا وهات ووأد البنات، وكره لكم قيل وقال: وكثرة السؤال، وإضاعة المال" (متفق عليه) .
وقال أيضاً: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت" (متفق عليه) .
هذا والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وما عليك إلا أن تفتح كتب الحديث وكتب الأدعية لترى "الإتيكيت" الإسلامي العظيم الذي سبق "الإتيكيت" الغربي بالتأكيد .
لكن ماذا أفعل إذا كان الناس يفضلون أن يقولوا "الإتيكيت" بدلاً عن فن الذوق العام، لمجرد ولعهم بالكلمة الأجنبية؟
ثم ماذا أفعل إذا كانت روح الإسلام مفقودة اليوم في مجتمعنا، فأسمع العربي المسلم الذي يعيش في الغرب، إذا التقى بآخر في المجتمع الغربي، يبادئه قائلاً: (هاي) وإذا غادره قال له: (باي)؟
يفعل ذلك لا شعورياً لمجرد أنه تعلم منهم ذلك "الإتيكيت"، فصار سلوكاً عاماً له، وإذا رجع إلى بلده نسي ذلك السلوك وصبح على أهل بيته بتكشيرة، والتقى بالناس في الشوارع من غير سلام، إلا إذا عرف شخصاً، وكان من أصحابه الذين يحبهم . في حين أن الإسلام قال: "سلموا على من تعرفونه ومن لا تعرفونه"، وقد فهم الغرب هذا الحديث، ولم نفهمه نحن بعد .
أجل . . تعلم الغرب "الإتيكيت" من الإسلام فغربه ثم عربه لنا مرة ثانية، ووضع في ثناياه ما يخالف ديننا، فأخذناه أخذاً عميانياً .
ومن ذلك أن "بروتوكولهم" يمنع الأكل باليمين، فصرنا نأكل معهم باليسار مخالفين سنة نبينا عليه الصلاة والسلام .
نعم . . مثل هذا "الإتيكيت" المخالف تمسكنا به، وصرنا نعتبر الأكل بالشمال نوعاً من التمدن والتحضر .
ولم نتعلم من الغرب وقوفهم في طابور عند ركوبهم "الباص"، أو محافظتهم على ممتلكات الآخرين .
انظر تدافع العرب في بلدانهم عند ركوب الباص أو فتح كتف يميناً أو يساراً عند إشارة المرور مخالفين بذلك الذوق العام .
وانظر إلى الغربي عندما يستأجر منك منزلاً ثم يعيده إليك وهو في قرطاسه، ثم انظر إلى العربي المسلم عندما يستأجر منك بيتاً، فهو لا يخرج منه إلا بالقوة، وإذا خرج ترك لك بيتاً تحتاج إلى معرف كي يعرفك عليه .
بالله عليك هل انعدام "الإتيكيت" في مجتمعنا سببه الإسلام أم سببه المسلمون؟
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"