النثر . . ماذا لو؟

03:49 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمد عبدالله البريكي
المسابقات الأدبية التي تنظمها بعض المؤسسات الثقافية تخضع لشروط إدارية وآليات فنية مختلفة، لكن أغلبها في النهاية تصب في مصلحة تنشيط العمل الثقافي، وبث روح التنافس للخلق والتجديد والابتكار، وفي الحقيقة فإن معظم هذه المسابقات ينتج عنها تراكم معرفي يثري المشهد الثقافي، ويقاس عليه مدى تطور التجارب ونضجها، ومدى تفاعلها مع مستجدات العصر وتجدد اللغة وما يرتبط بها من عناصر فنية تشكل جزءاً مهماً من وحدة الفكرة وهوية النص .
وفي بعض المسابقات التي تختص بجانب الشعر، تحدد بعض الجهات المعنية بهذا الجانب الشكل الذي يمكن من خلاله التقدم للمسابقة، وتنحصر بعض المسابقات في قبول القصيدة البيتية وقصيدة التفعيلة، وبالتالي فإن رؤية المقيمين للمسابقة تكون صريحة واضحة ومحددة المعالم، أما بعض المسابقات فإنها تنظر إلى النص على أنه عمل إبداعي من دون تقييد للشكل، ومن هنا فإن النثر يدخل ضمن هذه الدائرة، ويتنافس مع الشكل الإيقاعي للوصول إلى منصة التتويج والفوز بجائزة المسابقة .
والملاحظ من خلال بعض المسابقات الشعرية أن القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة حازتا المراكز المتقدمة، ولم يحصل النثر على ذلك الطموح الذي يتمناه المشارك في هذا الحقل، ولا من ينتمي إليه ويقف معه، وبالتالي فإن حسرة عدم الحصول على جائزة باتت تؤرق الكثيرين، وبدأت خريطة النقاش والكتابة عن هذا الأمر تتسع، وبدأ اللوم والعتب وإرجاع الأسباب إلى جهات وأشخاص، وربما إلى قضية جدلية وخصام مفتعل وحرب وهمية ضروس بين من يؤيد الإيقاع الخارجي كشرط من شروط القصيدة، ومن يعارض هذا الرأي، ويرى أن هناك إيقاعاً داخلياً في النص يؤهله لأن يكون ضمن هذه الدائرة التنافسية المهمة، وهذه القضية لا أعتقد بأنها ستنتهي عند نقطة أو في وقت محدد، فبعض الذين ينتمون إلى أحد الفرعين يرى الآخر جسداً دخيلاً أو جسماً غريباً أو كائناً لا ينتمي إلى كوكبه، ولا يستطيع أحد إقناع الآخر أو ثنيه عن رأيه الذي يؤمن به، وسيستمر الشد والجذب والكر والفر في هذه المسألة إلى ما شاء الله وكأنها حرب داحس والغبراء التي جرت على التاريخ الويلات، وقد يخفت هذا الجدال فترة من الزمن ليعود من خلال طرف يشعل جذوته لتهب معه عواصف كلامية ترتطم بأسوار العلاقات الإنسانية، مع أن بعضها ينحاز إلى العقلانية في الطرح والتحاور، وفي كلا الحالتين فإن الأمر يبدو شائكاً ومعقداً ومتوتراً، ولن ينتهي به المطاف إلى نقطة التقاء يقتنع بها الجميع، وهي ليست نظرة تشاؤمية بقدر ما هو استشراف من خلال واقع طال به الزمن، لكن ماذا لو . . وهو سؤال افتراضي يتطلع إلى الإمساك بالعصا من منتصفها لتخف حدة هذا القلق الفكري .
ماذا لو وجد ضمن بعض أفرع المسابقات الثقافية التي تعاني هذا الإشكال فرعاً للنثر، وتوضع له الشروط التي تجعله متألقاً من خلال جو تنافسي محدد مع جهة مختصة فيه ليعيش في جو حميمي لا يتنازع معه على ملكية أو هوية مثلما توجد للقصة والرواية والمسرح وغيرها من أفرع المسابقات الثقافية، وفي اعتقادي بأن هذا الأمر إن وجد فسيحل جزءاً من الإشكال أو سيجمد مشروع التصادم فترة من الزمن، وقد يسهم في إرضاء كل طرف بما يناله من مكانة يتم من خلالها التركيز عليه كمنجز فكري مستقل بذاته، ويمنحه أهمية يقف من خلالها شامخاً مسروراً بتفوقه .

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"