الوردة والقصيدة

02:53 صباحا
قراءة 3 دقائق
يقول الشاعر الإسباني فدريكو جاريسيا لوركا عن الوردة "لم تكن الوردة تبحث عن الوردة، جامدة عبر السماء، كانت تبحث عن شيء آخر" .
ما هو هذا الشيء الذي تبحث عنه الوردة، وما هي وردة لوركا، ربما هي وردة كل شاعر تغلب عليه رهافة الحس وأناقة الشعور .
وردة الشعراء قصيدتهم التي تبحث عن شيء آخر، قصيدتهم التي يهدونها إلى من يحبون، هذه الوردة التي تمهد لبناء جسر يعبر عليه كل منهما إلى الآخر، تمهد لإقامة علاقة إنسانية حميمية، تزيل عن البداية احمرار وجهها من الخجل، لأن الخطوة الأولى في طريق الشعور قد تكون مرتبكة مربكة، ولذلك تحمر الوردة في يد حاملها خجلاً عند أول عتبة من عتبات اللقاء، ويصور الشاعر عبدالمحسن بن سعيد "العاشق" هذا المشهد الجميل بقوله:
أنا خُبري بهالورده وهي بيضا قبل ماجيك
ولكن من خجلها جيت اقدّمها لك احمرّت
كتب أحدهم لحبيبته "اليوم عيدك، منذ مدة وأنا أفكر ماذا سأهديك هذا العام؟ وردة حمراء؟ هذه لا بد منها، فأنا أعرف عشقك للورد الأحمر، الذي اكتسب حمرته من حمرة خديك .
هذا هو الخجل الذي يرافق الوردة ويعبر عن احمرارها اللافت والجذاب، وقد يحيط بالوردة وجمالها الشوك، لكنها تبقى جميلة بهذه الحراسة التي تحيط بعطرها، ويقول الشاعر سالم سيف الخالدي عن هذا المشهد أيضاً:
الورد نفس الورد لهْ عطرْ وأشواك . . لكن وردك مختلف في المزايا
فتان ماخذ رقّته من حلاياك . . ومن شان عينك صار رمز الهدايا .
قال أحد الشعراء النقاد متسائلاً حين ذكر له أحدهم جنساً أدبياً غير الشعر وعلى أنه سيد الأجناس الأدبية: حين يذهب المحب للقاء الأول بحبيبته، ماذا سيهديها؟ هل سيهديها كتاباً أم قصة أم رواية أم وردة أم قصيدة؟
هناك ارتباط شعوري كبير ووثيق الصلة بين الوردة والقصيدة وبين من تهدى إليه، الوردة لا يفوح شذاها إلا بشذى حاملها، وتذبل إن قابلت حساً بليداً لا يقدر جمالها ولونها ولا يشم عطرها، والقصيدة كذلك، تكون رائعة مؤثرة إن صيغت بشعور جميل وهندسة فنية رائعة، القصيدة الجميلة لا تجرح بقدر ما تنشط القلب، وترفع الستار عن الأمل والفرح، محمود درويش يقول: إن نظرتَ إلى وردةٍ دون أن توجعكْ، وفرحتَ بها، قل لقلبك: شكراً .
الوردة والقصيدة قد تحملان عنوان القرب، وقد تحملان أيضاً عنوان البعد، كما يقول الشاعر مرزوق البلوشي: ياكم واحد يسقي ابكف . . أشكال من أنواع لورود/ غيره من الأزهار يقطف . . واللي سقى يبقى له العود .
ويقول شاعر آخر يصف ذبول الورد واتصاله بحامله وشعوره:
ذبُلَ الوردُ على أغصانهِ . . وشكا الجوْرَ إلى جيرانهِ
وبكى عفراءَ لما رحلتْ . . معرباً بالدمعِ عن أحزانهِ .
إن تركت وردة على طاولة شهدت حرباً كحرب داحس والغبراء بينك وبين من تحب، قد تلحقك الوردة لتعيد ما انقطع من وصال، وإن تركت قصيدة تتوشح بالعاطفة والحب والعتب الجميل وأنت ترى ظهر من تحب، قد يلتفت إلى سماع شجنك وعذوبته ويغير اتجاه الرحلة من الفراق إلى الوفاق .
الوردة والقصيدة أجمل ما يهدى، وأبلغ ما يقال، فلون الوردة وعبيرها كلام بليغ، وإيجاز القصيدة واختزالها يثير الدهشة ويبني الحياة، ولذلك سيبقى الحديث عن الوردة وعن القصيدة مستمراً ومتصلاً من جيل إلى آخر، وسيبقى الشعراء يحملون ورود مشاعرهم ليبقى هذا العالم جميلاً في عيون من يراه جميلاً .

محمد عبدالله البريكي
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"