تجديد خطاب الشعر الشعبي

01:08 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمد عبدالله البريكي

الشعر الشعبي يمثل ذاكرة المكان، فهو الوعاء الذي يحفظ الذاكرة ويؤرخ للحياة الخليجية على الأخص، ويتعايش اللحظة بكل تفاصيلها ويرتبط بالتراث والعادات والتقاليد، وهذا النوع من الشعر يمثل المفردة التي تعبر عن الهوية، وله مسميات مثل الشعر الشعبي أو العامي أو النبطي، إذ لم يعد المسمى خاصاً ببيئة أو منطقة محدودة، ففي العصر الحديث الذي انفتح على كل الثقافات أصبح من الصعب التحدث بخصوصية عن المفردة، فالمفردة الشعبية الخاصة بفئة ما في المجتمع أو في منطقة جغرافية في وطن ما قد تؤدي إلى إشكالات كثيرة وقد تشوه معنى وتقطع طريق فكرة وتسقط مضموناً وتحدث قطيعة بين الشاعر والمتلقي، فقد تكون مفردة في إحدى البيئات لها دلالتها وقيمتها لدى الشاعر والمجتمع قد تكون في بيئة أخرى خارجة عن الذوق، فلم تعد طقوس الشعر الشعبي تؤدى في بيئة خاصة ولا أمام قبيلة أو أهل حي واحد بل تعدى ذلك إلى الحضور بقوة في المناسبات الخاصة بالوطن أو الدول التي تشارك في المهرجانات التي بطبيعة الحال يحضرها جمهور متعدد الثقافات، فالكثير من الشعراء يدعون لمثل هذه المهرجانات ويلتقي بهم الجمهور وقد تحدث مفاجآت تتمثل في أن الجمهور قد لا يستوعب شيئاً عن المفردات البيئية الخاصة ببعض الشعراء المشاركين.
وعلى الرغم من هذه الإشكالية فإن الشاعر المتمكن الذي يمتلك المهارة والثراء المعرفي والاطلاع على ثقافة البلدان الأخرى ومفرداتها الشعبية الأصيلة هو ذلك الذي يستطيع إيصال نصه الشعري للجمهور بكل بساطة من خلال المفردة العابرة للحدود، ولذلك فقد ظهرت لغة ثالثة ولهجة بيضاء اقتربت من اللغة الأم واستطاعت أن تصل إلى شريحة كبيرة من المجتمع العربي وأسهمت في إيصال القصيدة الشعبية الحديثة إلى جمهور متعدد الثقافات والبيئات.
هذه اللهجة البيضاء قادرة على إبراز الهوية من خلال توظيف اللغة واستغلال طبيعة المكان وغيرها من العوامل التي يستطيع المتلقّي أن يتفاعل معها في سهولة ويسر، وقد تابعت إحدى القصائد أثناء إلقاء أحد الشعراء قصيدة شعبية حاول من خلالها مجاراة قصيدة أخرى بمفردة بيئية خاصة بجزء من وطنه، وخيراً فعل صاحبها في تمريرها قبل المشاركة فقد اكتشفت أن بعض المفردات التي اعتد بها الشاعر واعتز بقيمتها في نصه لها معان غير لائقة في البلد الذي قدم إليه للمشاركة في أحد مهرجاناته.
من هنا تبرز أهمية وضرورة استخدام المفردة المشتركة بين البيئات بعضها بعضاً التي تعبر عن جميع الثقافات، خصوصاً في المهرجانات الشعرية الشعبية التي هي كفيلة بتجديد دماء القصيدة الشعبية وتحديث مفرداتها بما يتناسب مع روح العصر ولغة التخاطب فيه لتكون المفردة وسيلة التواصل المشتركة بين الشعوب التي تتعدد ثقافاتها وتوظف تراثها وهويتها ضمن لهجة شعرية شعبية مشتركة لا تشكل معانيها عبئاً على أحد ولا ينفصل فيها الشاعر عن المتلقي ولا تنشأ بينهما قطيعة، كذلك فإن وجود هذه اللغة البيضاء تدعو إلى التفاؤل في تقصير المسافة بين اللهجة واللغة وردم الهوة بينهما.
ولذلك فإنني أرى أن المهرجانات الشعرية هي فرصة سانحة لتصحيح مسار الكتابة والدخول في جو تنافسي من أجل كتابة نص شعري شعبي يحمل ثقافة تتناسب مع التطور العلمي والتكنولوجي وأن يتم اختيار النصوص بعناية فائقة تمثل ما وصل إليه الشاعر من قدرات تعكس المشهد الشعري الحقيقي لبلده، ولا تكون المشاركة مجرد تسجيل حضور لا يترك أثراً ولا يصنع دهشة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"