سلطان وحديث الحصن

03:20 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمد عبدالله البريكي
حين تمر أمام هذا الحصن الواقف بأنفة التاريخ وتراه من الخارج بهيئته الشامخة وبألوانه التي تتمسك بتراثها وتعض عليها بالنواجذ من أجل أن تقف وقفة الجبل في وجه الريح العاتية، فإن هذه النظرة قد لا تكون بالقدر الكافي الذي يجعلك تتعرف إلى التفاصيل العظيمة التي يضمها هذا المكان، فليس من رأى بعينٍ عابرةٍ مسرعةٍ بحكم خصوصية المكان الذي لا يسمح بالتوقف إلا للشخص الذي يمر به ماشياً، كمن عاش هذا المعلم بمفرداته الكثيرة التي لا تبدو من بعيد ظاهرة بأسرارها الأخرى للعابرين، فالعابر يتوقع أنه مكان صغير ليس به تلك المساحة التي يمكن أن تضم تاريخاً يتنفس بحرية، كما يتنفس الواقف في طابقه العلوي وهو يستنشق نسمات الهواء النقي المتسللة من دون اكتراث لتلك الجدران العالية التي تجاوره وتطاول عنان السماء .
في هذا الحصن تاريخ طويل لا يمكن ذكره بكلمات، فهو معلق على الجدران بأحداثه، شارحاً ما مرّ من غابر الأيام بصوره البديعة، وبالعودة إلى بوابته الأمامية الرئيسية تجد تلك اللوحة التي تختصر عليك الكثير من الأسئلة من خلال عبارات تصافح كل من يدخل المكان وكأنها الشيخ الذي يستقبل ضيوفه بكرمه الكبير، عبارات جعلتني أعود من تلك الزيارة القصيرة التي أضفى عليها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، بعداً آخر وقيمة مختلفة بحضوره وحديثه عن تفاصيل المكان، تلك العبارات التي تقول: "بني الحصن عام 1823 ولا يزال يقف شامخاً في قلب الشارقة ليمثل تلك الحقبة التاريخية المهمة التي شهدت نهضة الإمارة، حيث استخدم سابقاً كمقر لحكومة الشارقة، وسكناً لعائلة القواسم الحاكمة وسجناً . كان الحصن حينئذ وحتى منتصف القرن العشرين أهم مبنى في الشارقة، شهد الحصن العديد من التغيرات على مدار السنوات، بما في ذلك الهدم الكامل تقريباً، وقد تم ترميمه حديثاً 2013-2014 ليحاكي النموذج الأصلي، يعرض الحصن التاريخي مجموعة متميزة من الصور والقطع والنماذج والقصص والتي تتيح لك فرصة تجربة نمط الحياة السائدة حينها، والتعرف إلى تاريخ الشارقة وأهلها" .
هذه العبارات استوقفتني وأنا خارج من المكان لألتقط لها صورة حتى لا أنسى التفاصيل العظيمة التي مررت عليها سريعاً في الداخل، وهي عبارات كافية لتجعل من هذا الحصن مزاراً ووجهة مهمة للباحث والمحب للتراث والتاريخ العريق، وكنت وأنا أمر بين جنبات هذا المكان أنظر إلى تلك الأخشاب التي تتشكل من خلال الأبواب والنوافذ، وتلك الجدران الصلبة التي أخذت صلابتها من صلابة ساكنيها في وجه كل من تسول له نفسه الاقتراب من هذا القلب الشارقي النابض بالمحبة، أنظر إلى ذلك الفناء الواسع الذي أشعرني بأن حكام هذا المكان لهم قلوب تسع الجميع، ولذلك فإن دلالة الحصن تجلت بصورة واضحة من خلال استقبال صاحب السمو حاكم الشارقة لبعض الشعراء فيه، ما يوحي بأن هناك حصناً حامياً لهذا التراث العربي الكبير "الشعر" من قبل سموه، وليس أجمل من تلك العبارة العظيمة التي لن أنساها، عبارة الأب الذي قال لي في نهاية تلك الزيارة: "أنت تحب الشارقة كثيراً وقصيدتك تحتاج إلى رد"، نعم نحن نحب الشارقة بتاريخها العظيم وثقافتها المتغلغلة في الوجدان وشعرها الذي يعيد للذائقة العربية حضورها، نحبها لأن فيها بيتاً كبيراً نسكنه بكل تفاصيلنا، نحبها لأننا نسكن قلب حاكمها الذي يحب الجميع .

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"