دع المقادير تجري في أعنتها
ولا تبيتن إلا خالي البالِ
ما بين غمضة عينٍ والتفاتتها
يغيّرُ اللهُ من حالٍ إلى حالِ
على مستوى طموحات الذات فإن كل لحظة يكبر فيها الإنسان تتفرع طموحاته وأحلامه كما تتفرع الشجرة، ويكبر حجم الفرد كلما كبر من يرتبط به على مستوى الأسرة أو الأصدقاء أو الزملاء أو غيرهم، وبهذا فإن الأحلام تتشظى كثيراً وتكبر مساحتها، وقد يتحقق جزء منها قبل وصول العقرب إلى نقطة الصفر، وترافق الأخرى الإنسان مثلما يرافقه ظله وأنفاسه متعلقة وبشدة بذلك الحبل الذي يسمى الأمل.
إن الذي يشتغل على هموم أمته ويفرح لفرحها ويتألم لألمها، ويتمنى أن يسود الأمن وتهدأ ثورة الأزمات هو ذلك الكيّس الذي يضع أحلامه على الطريق الصحيح، فطموح الفرد في ظل توتر من حوله سيجعل حلمه صعباً أو ناقصاً أو يولد ولادة عسيرة متعثرة تحيط به الأشواك وتحرسه الأخطار والأزمات، وبالعودة إلى الكتابة عن الأمنيات في العام الجديد والحيرة التي رافقته، فإن أزمة أمة تعاني من داء بدأ يتفشى ويستشري في جسدها ويحاول زعزعة استقرارها وإضعاف وجودها يجعل الطموح أكثر قرباً من محاولة القضاء على هذا الجسد الغريب والمرض المطاطي الخبيث «الإرهاب»، وربما تتصدر هذه الأمنية كل الأمنيات كما أراها على المستوى الشخصي، فالفرد إن تأثر أو أصيب أو ابتلي سيكون الضرر محصوراً عليه وعلى لبنة واحدة في البناء، أو على عدد قليل مرتبط به، لكن مصاب المجتمع يهدد البناء كله، وكلما كان المجتمع في أمن وسلام وطمأنينة كلما زاد الرغد وعم الفرح ليشمل ويعم، فالطموحات تحت مظلة الأمن لها طعم آخر، وبذلك ونحن على أعتاب عام جديد يشهد على روح جديدة متوثبة وعالم مختلف بدأ يتشكل من خلاف نهضة الأمة المنطلق من إحساسها بالخطر والحاجة إلى أن تقف في وجهه صفاً واحداً كالبنيان المرصوص، وبفكر أناس سخروا كل طاقاتهم وإمكاناتهم من أجل وحدة هذا الصف، والالتقاء على كلمة واحدة تعبر عن حال الجميع فإن الدعاء بأن يكلل هذا الجهد بالنجاح هو أول وأهم طموح تستقبل به الروح العام الجديد، وبتحقق هذا الطموح المرتبط بالأمة فإن أحلاماً فردية كثيرة ستتحقق دون الحاجة إلى اللهاث خلفها فنصر الأمة تهون دونه الطموحات الشخصية التي قد تكون بلا طعم أو لون أو لا تتحقق في ظل انكسار المجتمع.
محمد عبد الله البريكي