مبادرة سلطان تكتشف شباب الأقصر

23:33 مساء
قراءة 3 دقائق
يوماً بعد آخر تكشف مبادرة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة ، عن وجه آخر مشرق، وتتضح الصورة أكثر كلما اتسعت مساحة وصولها إلى الآخرين بفتح بيوت شعر متتالية تنشر ضوء المعرفة وبركة الشعر ودفء التواصل الإنساني، والكلام عن أثر هذه المبادرة يأخذني إلى الكتابة عن تلك الرحلة الثالثة بعد الأولى التي تم فيها افتتاح البيت الأول في محافظة المفرق في الأردن، والذي تشرفت بمتابعة تجهيزه، والرحلة الثانية إلى نواكشوط في موريتانيا، وهذه الثالثة التي انطلقت من دولة الإمارات العربية المتحدة إلى تلك المدينة التي تستقبل زائرها بالعشب والخضرة بدءاً من مطارها وشارعها المحتفل بالشجر وتآلفه مع الأنفاس التي تعبره، والذي يوحي بأن الاخضرار سيكون رفيق القادم في كل ما يراه، فأهلها يستقبلون ضيفهم بالابتسامة والسلام والترحيب، وتصافحه آثارها بعبق التاريخ الضارب في عمق الحضارة، ويحييه نيلها العظيم بمحبة واسعة متدفقة عذبة، وكنا نحن كذلك نرى هذا متجسداً أمامنا ونحن نتذكر ما قاله الشاعر أحمد فتحي عنها:
في رياضٍ نضّر الله ثراها/ وسقى من كرم النيل رُباها/ ومشى الفجرُ إليها فطواها/ بين أفراحِ الضياءِ الغامرِ.
وقبل المرور في طريق الكباش في محافظة الأقصر حيث يطل ذلك البيت على الآثار العريقة والتماثيل المنتشرة في شارع يمتد لبضعة كيلو مترات، وتسلم نوافذه عليها في الصباح وفي المساء، وهي تسترق السمع من البيت، وهو يتجلى بالشعر وبحناجر تصدح به، كنت أتساءل عن الجديد الذي ستقدمه إدارة البيت في حفل الافتتاح، وقد زرته للمرة الأولى قبل يوم الافتتاح الرسمي مع رئيس وأعضاء وفد الشارقة، وقابلنا فيه وزير الثقافة المصري مع محافظ الأقصر اللذين أشادا بهذه الهدية الثقافية الشعرية، وكررا الشكر لراعي المبادرات الأدبية والإنسانية صاحب السمو حاكم الشارقة ، وعن هديته لأبناء مصر ولمدينة الأقصر التي ستمد يدها إلى المدن والمحافظات الأخرى، وتفتح منابر الشعر لهم وتستقبلهم في هذا البيت، وقد أتى الجواب عن سؤالي سريعاً من خلال حفل الافتتاح الذي أقيم في صباح اليوم التالي، فكانت الدهشة والحضور الشعري الجميل، والمتوثب بروح شبابية تتدفق عذوبة وشعراً.
ضمت أصبوحة افتتاح البيت مجموعة من الشباب الذين أثبتوا أن لديهم طاقات جميلة، وقدرات عالية هي في أمس الحاجة إلى منبر أو مؤسسة أو بيت شعر يمنحهم فرصة التحليق في عالم الجمال، وفي فضاء نقي يعبرون فيه بحرية عن آمالهم وطموحاتهم وأحلامهم من خلال الشعر، وقد أتت الفرصة إلى ديارهم من خلال هذه الهدية الغالية ليحافظوا على اللغة العربية والشعر العريق، وليواصلوا ما بدأه من سبقهم من الشعراء حتى تستمر مسيرة الشعر آمنة مطمئنة تحظى بالرعاية وتنعم بالدعم اللامحدود.
ولم يقتصر دور بيت الشعر في الأقصر على هذه البداية المبشرة بتقديم جيل الشباب فقط، بل قدم نماذج شعرية رائعة وأصحاب تجارب طويلة، جاء معظمهم من مناطق جغرافية قريبة من الأقصر، على أمل أن يشمل الجميع ويصل إلى مساحات أبعد بعد هذه الانطلاقة.
وقد راعى القائمون على تفعيل دور البيت طبيعة المكان وحضور الشعر العامي، ونظم أمسية لمجموعة من شعراء «الواو» الذي تشتهر به المنطقة، وكان لبعضهم حضوره وتمكنه من هذا الفن الجميل، وبهذا فإن هذا البيت يفتح باباً آخر يضاف إلى الألف باب التي اشتهرت بها المدينة وسميت بهذا الاسم، مدينة طيبة ومدينة القصور، وتتسع فيها مساحة التواصل مع حضور محبي الشعر.
إن هذه المبادرة الرائدة الكريمة أتت في زمن نحن في أشد الحاجة فيه إلى تفعيل دور الثقافة، وإعطاء المثقف دوره الحقيقي المحب لأمته وإنسانيته من خلال معالجة ما تمر به من أزمات وانكسارات بحكمة ولغة أدبية تدعو إلى الوحدة ولم الشمل، وتبتعد عن كل سبيل يفرق المجتمعات ويدخلها في أتون الخلافات الحادة والصراعات السياسية والطائفية، فالثقافة قادرة على لعب دور متميز في هذا العصر المتشنج، وها هي مبادرة سلطان الثقافية تواصل ممارسة دورها التنويري والإنساني من أجل نهضة الأمة ووحدتها، فهو مؤمن بالعائد من هذه الثقافة، ولذلك يدعمه بسخاء ومحبة نابعة من كرم عربي متأصل في الذات، هذا الكرم الذي قال عنه حاتم الطائي: فلا الجودُ يفني المالَ قبلَ فنائهِ/ ولا البخلُ في المال الشحيحِ يزيدُ/ فلا تلتمس بخلاً بعيشٍ مقتَّرٍ/ لكل غدٍ رزقٌ يعودُ جديدُ/ ألم ترَ أن الرزقَ غادٍ ورائحٍ/ وأن الذي يعطيك سوف يعودُ.

محمد عبد الله البريكي

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"