مدينة الألف بيت

03:33 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمد عبدالله البريكي
هذه المدينة التي لا تكل ولا تمل عن العمل والسعي في طرق التجديد وابتكار الفكرة التي تجعل منها مدينة فاضلة تتباهى بجمالها الآسر الذي لا تستطيع تقلبات الزمن وتعاقب السنين على محوه أو رسم تجاعيد الوقت على محياها .
هذه المدينة التي يطول الحديث عنها، وكأن من يأتيها ثم يغادرها يجدها قلباً ينبض في حقيبة سفره وبين كتبه وكتاباته، تتمثل له أينما ذهب، ويتمثل بما فيها، ويتباهى بذكرها أمام أحبائه، لم تكن بهذا السحر، إلا لأنها هندست بخبرة فكر ومحبة روح للكلمة الراسخة في الذاكرة والعمل المتصل بالإنسان وتنميته الفكرية .
ها هي تحتفل بين يوم وآخر بإقامة الأفراح المختلفة، فأبناؤها كثر، فيوم تسعد بزفاف ابنها السيد الفاضل الفصيح، ويوم آخر تقيم عرساً لابنها الآخر المتجذر في لهجة الشعب السيد الشعبي، وتحتفل في مناسبة أخرى بالمدلل الأنيق المسرح، وإخوتهم الفنون والتراث .
إنها المدينة التي أطلقت للعالم العربي عصافير الفرح، وكشفت عن نيتها الصادقة والدائمة في التواصل والإخاء الإنساني المعرفي، أطلق صاحبها المبجل حفظه الله مبادرته عن إنشاء ألف بيت، وليست هذه البيوت جدراناً خرساء لا تستطيع هندسة عمرانها أن تجعلها ناطقة بحياة جاذبة للفكر والجمال، بل هي بيوت يراد لها أن تحرك الساكن وتفجر الطاقات والإبداع .
ها هي إمارة الألف بيت تقيم عرساً آخر من أعراس الثقافة، وهي تواصل بهذه الأفراح مسيرتها الفكرية لتعيد للإنسان العربي ذائقته الفنية التي تتغلغل في وجدانه وتحرك شعوره لينتشي طرباً .
ها هي إمارة الشعر والفن والثقافة تعلن عن انطلاقة دورة أخرى من دورات مهرجان الشارقة للشعر الشعبي، وهي بهذا الاحتفال الشعري الجميل تواصل حراكها اللافت، وفرحها الذي يغمر محبيها بالبهجة والسرور، وتزينت من أجل هذا العرس شوارعها بالإعلانات التي تدل على المكان والزمان، وهي في فرحها هذا تجدها محلقة بالاحتفاء، وسعيدة بمن يفد إليها ويتجول في المكان وهو يردد بيتاً أو ينتشي بقصيدة أو يحتفي بشاعر، وقبل شهر كانت سماؤها تمطر كلمة جميلة بلسان عربي فصيح، وصدحت الحناجر بالقصيدة العربية في قصر الثقافة العامر بالطرب، وكان ديوان العرب يضج بحجاج الجمال وضيوف الحرف، ما يجعل من يتابع هذا الحراك فرحاً بعودة الذائقة العربية إلى ديوانها العامر "الشعر" ومن خلال ذلك العرس الذي انتشينا به سعادة تم الكشف عن هدية غالية لعشاق الشعر ومحبيه، فمبادرة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، بإنشاء ألف بيت للشعر في الوطن العربي ستظل علامة بارزة فارقة تحتاج من الجميع أن يعوا ما يريده سموه من وراء هذا العمل الثقافي الإنساني العظيم، ولأننا بهذا الكرم الذي لا حد له نتحرك ونعمل ونبدع فإنني سأظل أكرر دائماً قولي بأن هذه الأعراس الثقافية والفنية لا يمكن لها أن تكون بهذا الألق والتجلي والإبهار لولا وقوف فكر يخطط لها برؤية حكيمة مستقبلية تنظر إلى الثقافة على أنها هوية مجتمع وثقافة أمة ووجدان شعب، وهي حاضره ومستقبله الواقف على أرض صلبة، لتكون هذه الأرض منارة تدل على روحانية تتشكل في الوجدان، ومظلة يلتقي تحت سقفها حنين الحرف ودهشة الفكر ورومانسية اللغة .
نعم إنها تلك الروح التي تنبض بالثقافة، وتعتبر الأدب غذاءها وشرابها وحياتها، وليس هناك ما يعبر عن الرضا ويشعر الذين يعملون بناء على رؤية سموه وتوجيهاته بالرضا من تلك الابتسامة التي نراها ترتسم على محيا سموه، فهنيئاً لنا بهذا الدعم، وأدام الله هذه الابتسامة على وجه سموه وأمده بالصحة والعافية ليبقى الشعر والثقافة والفن الإنساني في خير وعافية .

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"