نوبل لنوبل

03:18 صباحا
قراءة دقيقتين
تمثل الجوائز جانباً مهماً من جوانب التحفيز على مواصلة العطاء والابتكار، ليتواصل جهد الإنسان من أجل تذليل العقبات، وتسهيل كثير من الأمور التي تضيء الحياة وتجعلها أكثر إشراقاً وسعادة في جميع المجالات، ولا أحد ينكر في أنها تدفع كثيراً من الناس من أجل إشغال مساحات التفكير والتجديد للدخول في حلبة التنافس مع الآخرين، وهذا الجو التنافسي غالباً ما يقدم نماذج رائعة تحظى بالرضا والقبول من قبل الآخرين، وهو هدف يسعى إليه المبدع تقديراً لكفاءاته وعطاءاته، لكن الجوائز لا تعني بالضرورة أنها تذهب إلى من يستحقها، فلكل جائزة آلياتها وظروفها التي تحيط بها، فكم من جوائز قدمت نماذج أفسدت أكثر من إصلاحها، وجعلت الآخرين ينفرون من الدخول في دهاليزها الضيقة بالفكر، والواسعة في سلبيات التقدير، وهذا الحال لا ينطبق على مجال دون آخر، والجوائز تكون في الأغلب تحت رحمة المصداقية أو نقيضها، ومن خلال رحمة أحدهما يتحدد تأثير الجائزة .
نوبل مخترع الديناميت، هذه القطعة الصغيرة التي أفادت في ناحية وأضرت البشر في نواح كثيرة، وجرّت على الأمم كثيراً من الويلات والآلام والإعاقات، هذا الرجل أوصى بجائزة تقدم لمن يبدع في مجالات محددة كالأدب والطب والسلام والاقتصاد والكيمياء والفيزياء، لكن هذه الجائزة لها آلياتها، ولها من يرشح ومن يقيم ومن يقرر، وقد حظي بها عدد من الفائزين، لكن إلى أين اتجهت هذه الجائزة؟، وما هي الدول التي حصلت عليها من خلال المؤهلين حسب الجائزة لها؟، وما هو حجم أو نسبة الحاصلين عليها من الدول العربية والإسلامية؟، وهل ذهبت هذه الجائزة إلى مستحقيها أم لا؟، وهل هي بهذه الأهمية التي تشغلنا لنكتب عنها أو نتذكرها؟ أسئلة كثيرة لا تتوقف عند جائزة نوبل وحدها، إنما هي تساؤلات تطرح عن معظم الجوائز .
ماذا لو قدمت جائزة سلام لشخصية قتلت الأطفال والأبرياء، وهدمت البنيان والعمران، وأثارت الفوضى في الشعوب؟ ماذا لو قدمت جائزة الأدب لتلميذ أو طالب لم يصل إلى مستوى من علمه ولم تمنح المبدع الحقيقي؟ هل ستكون فعلاً جائزة، أم أنها ستكون معول هدم لمبدعين قادمين؟ .
هناك رجال عظماء قدموا الكثير لشعوبهم ومجتمعاتهم وأمتهم والعالم، لكن جائزة نوبل لم تذهب إليهم، ولم يذكروا أو ترتبط أسماؤهم بها، لكنهم بأفعالهم أصبحوا أمة وحدهم، ولم تغب ذكراهم عن البشرية، وأمثال هؤلاء لم يضعوا نصب أعينهم جائزة شخص آخر، أو تقدير مؤسسة ما، ولم تكن المادة أو الشهادات همهم، لذلك خلدهم التاريخ .
إن من يذهب إلى قائمة الإحصاءات في جائزة نوبل، سيرى أعلاماً كثيرة تظهر أمامه وتتكرر، وسيتساءل عن أعلام دول أخرى، وكيف لبعض الأعلام أن توجد في جائزة أحد فروعها، ولماذا لم تذهب جائزة هذا الفرع إلى الشخصية الفلانية، وكيف منحت لشخصية تتناقض مع اسم الفرع بعطائها .
في اعتقادي أن جائزة نوبل ذهبت إلى نوبل، فهو الشخصية المحورية التي تتكرر دائماً، وتسبق اسم كل من يحصل عليها، وقد تغيب أسماء مع تراكم أسماء أخرى بفعل الزمن والكثرة، وسيبقى اسم نوبل هو الأبرز .

محمد عبدالله البريكي
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"