«الرجل خارج مملكته»

05:06 صباحا
قراءة دقيقتين
صفية الشحي

فقدناه، أحقاً حدث ذلك! كأننا عشنا دهراً تجاهلنا فيه ما لا بد منه، فهناك بشر عصيون على الرحيل، حتى وإن فعلوا في غفلة منا.. حبيب الشعر والقلم تركنا ولم ندر متى وكيف؟ لا نزال في صدمة الموقف نراوح، العقل لا ينفك يدلنا على ما يؤلب الجرح، خيانة هو ما حدث، خيانة لا حول لنا ولا قوة فيها.. الحياة خانتنا عندما أطلقت لجناحي الشعر العنان، الموت كان أوفى وأصدق، لقد دق باب الروح، «أليست الحياة محض ميتات متتالية» لم نفتح له مرات لكنه كان يخطفنا من نوافذنا، و«كان يمكن ألا يكون كل ذلك».
هذا الصباح قرأت رسالة طويلة تحكي عن كل ما كانت الحياة ضنينة به، يبدو أن الطائر الأسود يفك أسر الحقيقة ويدلقها كحليب ساخن على جسد الغفلة الساهية، ولأن رسائلنا الأخيرة لمن نحب بعد رحيلهم، فيها الحب والفراق والوداع والقصص التي لم تجد متسعاً لتكتمل، لذلك الحياة هي من يخوننا لا الموت، فالأخير يمنحنا أجنحة، يرمينا في اللجة ويقول تنفسوا تحت الحزن، صيروا عصافير أو أرواحاً هائمة، اكسروا الخوف، وقولوا أحببنا، كرهنا، احتفلنا قبل عشرين عاماً، وودعنا بعضنا لاختلاف النوايا.
«تشردني في غوايتها، فأموت جريحاً، وينكسر القمر الحلو في سقف قبري، وحيداً رأيت النقيض يقول الغائب، ويترجل عن البحر جارا وراءه سرب زرافاته الذي لن يعود، تاركا لنا الوصية» ادخلوني لأدخل بعدكم، ولا تسألوني عن الأسئلة «ونبكي» لكننا محترقون هنا ومذهولون، ولا بد من الأسئلة «فأنت من علمنا أن نقطع ما بين الضفة والضفة بمجذاف صلب، وإن استقال البحر سيحمل الغريق دفتره، لأن لغته المنتشرة في دمه جعلته يرى.
وحبيب صاحب القلم اللامع في عيوننا، لا ينتهي حتى وإن سجل«ساعة غيابه» قبل أيام قليلة من فجيعتنا، فالكلمة عنده مولودة آنياً ولا تموت مستعجلة كأشجار المشمش، أما البذرة التي غرسها «ابن الديرة» فينا منذ سنوات المراهقة حتى اللحظة، لم تمت وردتها، فقد ترك كلمته هناك صبارة تنتظر الساعة الأخيرة مقرفصة، فهي تعلم أن من مثله، لن يؤجل موت اليوم إلى الغد.
نهر يحمل طاقية إخفاء هو حتى حانت اللحظة التي تولد فيها الجسور، وبينها وبين غيرها جسور، سموه ما شئتم، صوت الحداثة الشعرية، صاحب القلم الجريء، الحبيب الذي ترك وردة في منتصف العمر، الرجل الذي أشعل العاصفة في المحيط، فأنا لن أسميه سوى، «الرجل خارج مملكته».. وداعاً حبيب الصايغ.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"