الفطنة العميقة

03:52 صباحا
قراءة دقيقتين
صفية الشحي

ربما يشهد العالم قريباً تقاعد أعداد هائلة من الموظفين الذين ينتمون إلى جيل الازدهار، الذي ينتمي إليه المولودون بين عامي ١٩٤٦ و١٩٦٤. هذا ما أشارت إليه آخر الدراسات المنشورة في مجلة «هارفارد بيزنيس ريفيو» العالمية المتخصصة في مجال الأعمال وإدارة الشركات، والأرقام تعكس مخاوف من خسائر كبيرة قد تمنى بها قطاعات اقتصادية حيوية في العالم، وذلك بفعل التخلي عن خبرات تقدر بسنوات ضوئية من الحكمة والتمرس، بسبب قوانين العمل التي تحتم إحالة الأشخاص على التقاعد بعد عمر معين، إضافة إلى تحديات أخرى تطال العلاقات والسمعة و إعادة التوظيف والتجديد.
إن القرن الواحد والعشرين هو عصر جامع لخمسة أجيال مختلفة بدءاً من مواليد الخمسينات وحتى الألفية الجديدة، وذلك بفعل التكنولوجيا أحد أكثر المتغيرات تأثيراً على أنماط الحياة والعمل، والمتطلبة كثيراً من المهارات التي يتقنها جيل الألفية الجديدة. فكيف يمكن للمؤسسات وأرباب العمل تحقيق التوازن بين اضطرارهم للتخلي عن الخبرات الأقدم، واستقطاب المهارات الأحدث؟ وما هي المعايير الجديدة التي تتبعها أماكن العمل؟ وكيف يمكن امتلاك زمام الأمور في ظل معطيات اقتصاد النمو القائم على المعرفة، والمعتمد على الصناعات المتطورة والبحث العلمي والابتكار؟
لقد حققت دولة الإمارات العربية المتحدة المركز الأول عالمياً في مؤشر «توفر الخبرات الدولية»، حسب نتائج تقرير التنافسية الرقمية ٢٠١٩، وها هي تقدم أنموذجاً عملياً مواكباً للتطلعات العالمية المستقبلية، من خلال برنامج «خبراء الإمارات» الذي أطلقه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ليمثل ركناً مهماً في مئوية هذا الوطن ٢٠٧١، حيث يشكل النواة الأولى في مرحلة تجهيز جيل المهمة، التي تمتد لعشر سنوات من عمر برنامج الاستعداد للمئوية، ويهدف البرنامج إلى إيجاد فريق من الخبرات الوطنية في التخصصات المختلفة، وتمكين هذه الخبرات من المشاركة في وضع الخطط والاستراتيجيات المرتبطة بحاضر ومستقبل الإمارات، بما يشكل أساس تحقيق التنافسية المبنية على مفهوم التخصص العميق والتطوير المستدام.
إن رحلة الوصول إلى «المئة خبير» تبدأ من داخل الفرد الإماراتي، الذي يجب أن يتبنى مفاهيم التخصصية والتعليم اليومي ووضع الأهداف والتخطيط السليم، وهو ما يقوم عليه برنامج خبراء الإمارات، الذي يقدم دعوة مفتوحة لمن يود أن ينضم إلى هذه المنظومة، إلا أنه ليست الخبرة وحدها هي الأساس، بل الفطنة العميقة التي تنتقل إلى الأجيال المتتابعة، دون أن تنتزع منهم التجربة هويتهم الوطنية وقيمهم الأخلاقية الإماراتية الإيجابية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"