حكاية أمين المكتبة

03:34 صباحا
قراءة دقيقتين
صفية الشحي

أصدرت توري آموس وهي مغنية وعازفة وكاتبة أمريكية في عام ٢٠٠٣ ألبوم مختارات لأغانٍ قديمة حمل اسم «حكايات أمين المكتبة». والمستمع لصوت المغنية يترافق مع موسيقى تشبه الفراشات لابد أن يسترجع الصورة النمطية لمن يمتهن عناق الكتب. وحتى لا نغرق في رومانسية تطغى على عشاق الكتب كلما تحدثوا عن المكتبة وقاطنيها، لابد أن نعرج على مهنة أمين المكتبة بحد ذاتها وهي ليست بالحديثة بل تعود إلى زمن انبثاق الحضارات الكبرى، حين اقتصر هذا الدور المهم على أبرز الشخصيات الفكرية والدينية والعلمية.
إن أول أمين مكتبة عرفه التاريخ كان «تحوت» رمز الفكر عند قدماء المصريين قبل أربعة آلاف سنة، أما زوجته «حاتحور» فكانت أول أمينة مكتبة عرفها التاريخ ولقبت باسم «سيدة المكتبات» إضافة إلا أنها مثلت رمز الكتابة في ذلك الزمن، ولنا أن نتوقف كثيراً عند هذه الفكرة حول المقام العظيم الذي كان يتبوأه من يحمل على عاتقه أمانة المعرفة من خلال حراسته لكنوزها من كتب ومخطوطات ومصادر مختلفة.
شهدت هذه المهنة تطورات ملحوظة خصوصاً في العصر الروماني الذي تميز بنهضة علمية وحضارية لافتة ألقت بظلالها على هذه المهنة الراقية، فتعددت مهام الأمين لترتبط بالإعداد الفني للكتب، وتنظيم الفهارس للقراء، وإعداد الببليوغرافيات، وتوفير خدمات النسخ والتصنيف حسب المواضيع. لقد توارثت البشرية هذه المهنة حتى عصور متقدمة تكشفت فيها أكثر أنظمة المكتبات تطوراً انطلاقاً من علم المكتبات الذي وضع أصوله سير أنطوني بانيزي، أمين مكتبة المتحف البريطاني، وهو العلم الذي بنيت عليه قواعد وأصول الفهرسة الوصفية.
في زمن الألفية الجديدة القافزة دون تمهل على الكثير من التحديات المرتبطة بالمعرفة وصناعتها، تبرز تحديات أكبر مرتبطة بطبيعة القارئ الجديد وعلاقته بالمكتبة التي يشكو كثر من تراجعها بفعل الأدوات التكنولوجية «سارقات الانتباه»، فما هو دور أمين المكتبة؟ وكيف يمكن تعزيز مكانته في الأذهان التي أتخمت بصور نمطية تجرد مهنة أمانة المكتبة من حقيقتها القائمة على حفظ المعارف وإعادة إنتاجها وتقديمها للقارئ وفق احتياجاته؟ أمين المكتبة العصرية لا يمكن أن يقف مكتوف اليدين أمام الصراع الدائر بين الجوهر والإنساني والقالب التقني والرقمي، بل هو مطالب أكثر من أي وقت مضى، بأن يقوم بدوره كقائد معرفي للأجيال الجديدة في المدرسة أو المكتبة العامة أو حتى البيت..
لا يجب أن تتوقف عند هذا الحد حكايات أمين المكتبة خصوصاً وهو يشعر بأنه عابر هامشي على طول خط التجربة الإنسانية المعاصرة، كما أن الأمر لا يخلو بطبيعة الحال من مضايقات سببها تراجع الوعي- عند كثر- بقيمة الكتاب والمكتبة في حياتنا اليومية، وذلك لصالح إعلاء القيم المادية والاستهلاكية، وهو تراجع تنتشر عدواه للأسف عند الأجيال الجديدة، لكن الأمل كله في دور أمين المكتبة بل المعرفة، المتمثل في مقاومة المثبطات والتكيف مع المتغيرات، إضافة إلى فهم أدوات العصر وتطويعها في قوالب علمية ومعرفية تتناسب وطموحات الجيل الجديد المندفع دائماً في خطوة استباقية لوقته.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"