خلل تنافسي

03:49 صباحا
قراءة دقيقتين
صفية الشحي

هل ينسى الموظفون الهدف الحقيقي من وجودهم في أماكن العمل؟ يبدو ذلك جلياً عندما نسمع قصصاً مؤرقة عن زملاء عمل يؤذون بعضهم البعض ومؤسساتهم، بسبب الخلل الكامن في شخصياتهم وفي طريقة إدارة أماكن العمل ذاتها، والتي تنتج عنها مشكلات كثيرة أبرزها: كره العمل، وغياب روح الفريق والتعاون، وعدم التقدير ونشوء المنافسة غير الشريفة في البيئة المؤسساتية، والنقطة الأخيرة هي محور هذا المقال.
إن المنافسة بشكلها الجذاب والإيجابي أمر مطلوب حتما بين زملاء العمل، ولولا هذه الرغبة في التفوق وتقديم الأفضل لما تحققت أسباب التنافسية التي نفخر بتحقيق أرقام متقدمة في مجالاتها المختلفة، لكن للعملة وجهاً آخر وهو مؤرق، خصوصاً حين لا يتورع البعض عن اللجوء لأساليب ملتوية أو كيدية للتشويش على زملائهم وخداع رؤسائهم في العمل من خلال المبالغة في وصف الأحداث، أو نقل كل صغيرة وكبيرة عما يدور في المكاتب، وهذا يقودنا إلى طبيعة الإدارة نفسها وخصائص شخصية المدير أو القائد في مكان العمل.
على الأغلب لن تجد مثل تلك الممارسات تربة خصبة لتنمو وتتفرع كنباتات ضارة في الحقل لولا وجود رعاية مباشرة أو غير مباشرة، مقصودة أو غير مقصودة من قبل من يديرون العمل وهؤلاء ينقسمون إما إلى أشخاص يجهلون ما يحدث في فرق عملهم ويعتمدون بالدرجة الأولى على القيل والقال، أو أنهم يتعمدون إثارة هذا النوع من الخلافات كي يحكموا سيطرتهم على موظفيهم، والنتيجة المحتومة تتمثل في خلق عداوات «فيروسات» تتفشى في جسد المؤسسة وتسهم في تآكلها من الداخل، إذا لم يتم التعامل معها بحرفية وحزم.
يقع الأمر على كاهل إدارة الموارد البشرية بشكل كبير، فمسألة التعامل مع أوضاع غير صحية كهذه تبدأ من لحظة اختيار الأشخاص العاملين في المؤسسة وفق القيم التي تبنى عليها المؤسسة، وتشير دراسة سابقة لأحد أكبر مواقع التوظيف في الشرق الأوسط إلى أن 84٪ من المؤسسات تهتم بدراسة خلفيات الموظفين الاجتماعية والوظيفية السابقة قبل تعيينهم، وهي خطوة مهمة لاختيار الأشخاص الذين يتناسبون مع بيئة العمل وتحدياتها في المؤسسة.
كذلك من المهم تعميم مرجعيات سلوكية في مكان العمل بحيث تقدم تفاصيل دقيقة عن نوعية السلوكيات المرفوضة، وما هي درجة التسامح التي يمكن التعامل فيها مع المخالفين؟، إضافة إلى تحديد سياسات واضحة للتعامل مع مرتكبي هذه التجاوزات ضد زملائهم، وأخيراً يجب تخصيص حيز كبير من التدريب المهني سنوياً لأخلاقيات أماكن العمل، وإدارة الخلافات، وتعزيز الذات وتطويرها وفن التواصل الإنساني وروح الفريق والتعددية الثقافية، وهي أمور -إن تم التركيز عليها- تسهم في إصلاح هذا الخلل في بيئات العمل والذي تحركه الطبيعة البشرية التنافسية، إن لم يتم تفهمها وتوجيهها بشكل صحيح.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"