«أنابيب كيستون».. قنبلة كربون أم محرك للتوظيف؟

00:38 صباحا
قراءة 4 دقائق

د. عبدالعظيم محمود حنفي*

يشكل التركيز المتزايد على المسؤولية البيئية والتنمية المستدامة تحدياً يتقدم باستمرار بالنسبة للصناعة وللحكومات: كيف يمكن تحقيق النمو الاقتصادي بصورة مفيدة وفي نفس الوقت تلبية متطلبات التنمية المستدامة. ذلك أنه على المشاريع الإنمائية، لكي تنجح، أن تزيل العقبات البيئية، وتعكس موافقة المجتمعات، وتتقيد بالقوانين المحلية، وترضي الحكومات وأن تبقى، مع كل ذلك، مُبررة اقتصادياً.
في الرابع والعشرين من مارس/‏ آذار وقّع الدبلوماسي الرفيع توم شانون - بالنيابة عن وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، الذي نحى نفسه عن الأمر، لأنه كان يشغل منصب الرئيس التنفيذي السابق لشركة النفط إكسون موبيل - على الإذن الرئاسي بإنشاء خط أنابيب كيستون إكس إل الذي تبلغ تكلفته 8 مليارات دولار ويمتد على مدى 1900 كلم ويوصل النفط المستخرج من الرمال الزفتية الكندية إلى المصافي الواقعة بساحل خليج تكساس، ماراً عبر ولايات مونتانا وساوث داكوتا ونبراسكا وكانساس وأوكلاهوما. وتصل قدرة الانابيب إلى 800 ألف برميل نفط يومياً وبذلك، يُنهي هذا القرار جدلاً احتدم لسنوات بين الأطراف المعنية وأصحاب المصلحة على مصير خط الأنابيب. وتمثل هذه الخطوة واحدة من أهم الخطوات التي اتخذتها حتى الآن حكومة الرئيس ترامب.وسط ترحيب كندي كبير، حيث إن سبعة وتسعين فى المئة من صادرات كندا النفطية تذهب إلى الولايات المتحدة.
وفي مقابل ذلك، تشتري كندا بما قيمته 23 مليار دولار سنوياً من منتجات مواد وتكنولوجيات الطاقة الأمريكية. ومن حكومة مقاطعة ألبرتا الكندية، التي تمتلك، ثالث أكبر احتياطى نفط فى العالم. ولاقى القرار رضا الحزب الجمهوري الأمريكي المسيطرعلى الكونجرس الذي مرر المشروع وهو أيضاً سيكون حجة لخفض الضرائب وهي أحد الأركان المحورية لإدارة الرئيس ترامب.
الإذن الرئاسي الأمريكي يثير العديد من القضايا أهمها، أن المشروع يفاقم قضية الاستقطاب بين الأمريكيين. حيث تمثل زيادة معدل الضريبة على الثروة و بناء خط أنابيب النفط «كيستون» أحد مجالات الاستقطاب الكبرى بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي؛ مثلا، في «آيوا»، الجمهويون هناك يريدون بناء خط أنابيب النفط ؛ في حين يعارض ديمقراطيو «آيوا» المشروع بأغلبية كبيرة. كما أن «الديمقراطيين» يرغبون، في أغلبية بزيادة الضرائب على الأمريكيين الأكثر غنى للتعويض عن خفض ضرائب الطبقة الوسطى، في حين يرفض «الجمهوريون» ذلك. وقد انضمت القبائل الأمريكية الأصلية وملاك الأراضي إلى الجماعات والمنظمات المناصرة للبيئة في معارضة إقامة خط الأنابيب. وحتى بعد الحصول على الإذن الرئاسي، فلا يزال خط الأنابيب يواجه عقبات- أبرزها المسار الذي لا تزال تكتنفه عقبات التقاضي الكثيرة في الولايات.وقد جسّد الكونجرس الجديد المشهد الأكثر حداثة لظاهرة الانقسام السياسي الحادّ في المجتمع الأمريكي. وأصبح الحزبان الرئيسيان «الديمقراطي والجمهوري» أكثر استقطاباً مما كانا عليه منذ بضعة عقود. وأصبحت الفجوة التي تفصل بين «الجمهوريين الريفيين» و«الديموقراطيين الحضريين» أكثر اتساعاً. ولم يقل إلا القليل حول عدم التكافؤ الاقتصادي بين «الولايات الحمراء» المحافظة المحسوبة على الحزب الجمهوري، و«الولايات الزرقاء» المنفتحة المحسوبة على الحزب الديمقراطي، وهو الانقسام الذي لا يقل خطورة عن الاستقطاب السياسي. وبشكل عام، تُعدّ الولايات الزرقاء، مثل كاليفورنيا ونيويورك وإيلينوي، والتي يعتمد اقتصادها على الصناعة المالية كالبنوك والبورصات، والتجارة، وتكنولوجيا المعلومات، أكثر غنىً من الولايات الحمراء. إلا أن الولايات الحمراء، مثل تكساس وجورجيا، سجلت نجاحاً لافتاً في مهمة الرفع من مستوى معيشة سكانها وخاصة فيما يتعلق بتخفيض أسعار وتكاليف السكن. وعلى أن اقتصاد الولايات «الحمراء» الذي يعتمد على استخراج مصادر الطاقة والزراعة، يتصف بأجور العمل المنخفضة والمعدلات الأعلى من الفقراء والانخفاض في مستوى التحصيل الدراسي بالمقارنة مع الولايات الزرقاء. إلا أن سكانها يستفيدون من التكاليف المنخفضة للعيش. وبالنسبة لمواطن ينتمي إلى شريحة الطبقة الوسطى، يكون تحقيق «الحلم الأمريكي» بامتلاك منزل رحب مع حديقة وزوج من السيارات، أكثر سهولة في ولاية «حمراء» مثل أريزونا مما هو في ولاية ملونة بالأزرق الداكن مثل ماساشوسيتس.
ويشكل التركيز المتزايد على المسؤولية البيئية والتنمية المستدامة حول الكرة الأرضية تحدياً يتقدم باستمرار بالنسبة للصناعة وللحكومات: كيف يمكن تحقيق النمو الاقتصادي بصورة مفيدة وفي نفس الوقت تلبية متطلبات التنمية المستدامة. ذلك أنه على المشاريع الإنمائية، لكي تنجح، أن تزيل العقبات البيئية، وتعكس موافقة المجتمعات، وتتقيد بالقوانين المحلية، وترضي الحكومات وأن تبقى، مع كل ذلك، مُبررة اقتصادياً.و تلك المعضلة يجسدها مشروع كيستون ؛ ويعارض أنصار البيئة خط الأنابيب لأن عملية استخراج النفط من الرمال النفطية تستهلك كميات كبيرة من الكربون ويقولون إن النفط المستخرج سيكون أكثر تلوثاً من النفط الخام التقليدي.
وسيكون المشروع بمثابة إشعار «قنبلة كربون» يمكن أن تسبب أضراراً لا يمكن إصلاحها بالمناخ.ويشعر علماء البيئة بالغضب إزاء احتمال إضافة كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي إذا ما تم إقرار مشروع خطوط أنابيب «كيستون إكس إل»، ويرجع هذا لسبب وجيه. فالبيتومين (القار)، وهو درجة منخفضة من النفط، الموجود في النفط الرملي في كندا، والذي سيتم نقله بواسطة خطوط الأنابيب تلك إلى الولايات المتحدة، تنبعث منه نسبة 17% إضافية من الغازات المسببة للاحتباس الحراري أكثر من تلك المنبعثة من تكرير برميل من النفط الخام في المتوسط، وفقاً لتقرير أصدرته خدمة أبحاث الكونجرس العام 2015. ويقول مؤيدو المشروع إنه يخدم المصلحة الوطنية وسينقل 830 ألف برميل من النفط يوميا مما سيزيد من أمن الطاقة، وسيخلق 28 ألف فرصة عمل. وإنه تم إجراء مراجعة للعوامل البيئية والاقتصادية والدبلوماسية، تبدو المعركة قد حسمت لمصلحة التنمية على حساب البيئة، التى لا يوليها الجمهوريون كثيراً من الاهتمام.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"