«إسلاموفوبيا» أم رفض المسلمين الاندماج ؟

01:35 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. غسان العزي

من هم مسلمو فرنسا؟ على هذا السؤال الشائك حاول «معهد مونتين»، وهو مختبر أفكار فرنسي ليبرالي مرموق، الإجابة عبر تحقيق واسع أجراه عن «مسلمي فرنسا» بهدف تقديم «معرفة علمية دقيقة عنهم، والوصول إلى حلول قادرة على تسريع الاندماج الهادئ للأغلبية الصامتة منهم، والقيام بالإجراءات الآيلة إلى مكافحة الأصولية وفي الوقت نفسه دفع العدد الأكبر من المسلمين، الذين يغريهم التطرف، نحو معتقدات وأفكار تتلاءم وقيم الجمهورية». هذا هو هدف الدراسة كما يقول معدوها في معهد مونتين بالتعاون مع «معهد ايفوب» الفرنسي المختص باستطلاعات الرأي.
ماذا تقول نتائج الدراسة ؟
على الرغم من أنه الدين الثاني، عددياً، بعد الكاثوليكية يبقى الإسلام في فرنسا أقلوياً، إذ يبلغ عدد المسلمين ما نسبته ٥، ٦٪ من السكان، ويرتفع إلى العشرة في المئة في الفئة العمرية دون ال٢٥ سنة. المنحدرون من أبوين مسلمين تبلغ نسبتهم ٧٢٪، في حين تبلغ نسبة المتحولين أي الذين اعتنقوا الإسلام ٧، ٥٪. ثلاثة من كل أربعة مسلمين فرنسيين (نصفهم بالولادة). ثلاثون في المئة لا يذهبون مطلقاً إلى المساجد وستون في المئة لديهم علاقات بعيدة جداً أو مقطوعة مع أماكن العبادة.
على قاعدة الإجابات التي حصل عليها الاستطلاع تصنّف الدراسة المسلمين إلى ثلاث فئات، تضم الأولى ٤٦٪ من مسلمي فرنسا وتتألف من أشخاص «تعلمنوا كلياً أو بصدد استكمال اندماجهم في نظام قيم فرنسا المعاصرة». الفئة الثانية نسبتها ٢٥٪ وهي أكثر تنوعاً إذ تضم الأفراد القابعين في «موقع وسطي»، أي أنهم «فخورون بإسلامهم»، يؤيدون حرية التعبير عن انتمائهم الإسلامي في أماكن العمل لكنهم يرفضون النقاب والتعددية الزوجية ويقبلون بالعلمانية. وهذا دليل على أن» غالبية مسلمي فرنسا لديهم نظام قيم وممارسة دينية يندمج تماماً في النسق الجمهوري والوطني». تبقى الفئة الثالثة (٢٨٪) «التي تجمع ما بين المسلمين الذين تبنوا نظام قيم مناهض بوضوح لقيم الجمهورية (يؤيدون تطبيق الشريعة الإسلامية مكان القوانين الفرنسية). الشبان العاطلون عن العمل والمتحولون [أي الذين اعتنقوا الإسلام ] هم الأكثر قابلية للانتساب إلى هذه الفئة».
فور نشر الدراسة بدأ جدل واسع في فرنسا حول نتائجها، فاستغلها اليمين المتطرف وبعض اليمين الجمهوري لإثبات وجهة النظر القائلة برفض المسلمين الاندماج في المجتمع الفرنسي واعتناق مبادئه الجمهورية. الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة اعتبرت أن» ٢٨٪ من الراديكاليين المسلمين من أصل ست ملايين مسلم، يعني حسابياً أن هناك ١، ٥ مليون مسلم متطرف بل مرشح لأن يكون إرهابياً محتملاً». رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق اليميني، عضو «حزب الجمهوريين» والمرشح لرئاسة الجمهورية في الربيع المقبل فرانسوا فيّون، انتقد «الإسلام السياسي» ولفت إلى أن «ثلث مسلمي فرنسا راديكاليون أو في طريقهم إلى الردكلة وعددهم يزداد يوماً بعد يوم». بدوره فيليب دوفيلييه، المرشح اليميني للرئاسة، لم يخجل البتة من تبني أكثر أطروحات اليمين تطرفاً انطلاقاً من» الخطر الذي يمثله وجود هذه النسبة الكبيرة من المتشددين المسلمين».
هذه الأوساط ترى أن نتيجة دراسة مونتين بمثابة دليل على أن الإسلاموفوبيا لها ما يبررها وهي أقل خطراً بكثير من الراديكالية التي تنتشر في صفوف المسلمين الذين لا يريدون الاندماج في المجتمعات الغربية،.
هناك، لاسيما في أوساط اليسار، من يعتبر بأن نموذج الاندماج الفرنسي هو الذي فشل وبأن على الدولة الفرنسية أن تأخذ بعين الاعتبار «سوسيولوجيا المسلمين» في فرنسا وأن تقوم بعدد من الإجراءات لتشجيع وتسهيل اندماجهم في المجتمع الفرنسي، كما نجحت الولايات المتحدة، وكذلك إلى حد ما بريطانيا أو ألمانيا، على سبيل المثال.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"