أفضل أطروحة دكتوراه

04:39 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عارف الشيخ

عندما أدخل بوابة المدينة الجامعية بالشارقة، ينتابني شعور غريب، تتراءى أمام عيني مشاهد من الماضي العتيق والزمن العريق، يوم كان العلم عملاً والعالم عاملاً والدنيا قيماً ومُثلاً عليا.
تعود بي الأيام إلى الوراء، في حين أن المدينة الجامعية بالشارقة لم تدخل عقدها الثالث بعد، لكنها تتسابق إليك بمبانيها التراثية الأنيقة، وزخرفاتها الجميلة الرقيقة.
تستقبلك وكأنك في غرناطة أو قرطبة أو أي مدينة من المدن الأندلسية، أيام كانت تموج تلك المدن بمساجدها وجوامعها ومدارسها وقبابها التي كانت تتشكّل بواسطة أنامل البنائين والرسامين، ولم يكن يملكون أدنى أدوات البناء والهندسة التي تجدها اليوم شركات البناء والمقاولات والديكور.
هذه المعالم الجميلة في الشارقة هي كلها من بنات فكر حاكمها الفنّان المذواق والباني المؤسس صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة.
وسموّه لم يكن يبدع في البناء بهذه العراقة وهذا المستوى الرفيع والمتقدم لو لم يكن قد تشرّبت نفسه بحب أشكال هذه المباني التي كانت في يوم من الأيام حاضنة تراثنا وحضارتنا.
إذ كيف يُبدع في البناء من يقضي ليله ونهاره في قاعات مكتباته في القراءة، ويقلّب مجلدات الكتب مستمتعاً بتلك الرسومات والمعاني، ولا سيما كتب التاريخ والجغرافيا والفنون الإسلامية.
صاحب السمو حاكم الشارقة، حاكم بحكم السياسة وتقاليد الأسرة، ولكنه قارئ نهم من الدرجة الأولى بحكم شغفه بالقراءة وحب الاطّلاع، ومؤرخ محقق من الدرجة الأولى، وعربي ومسلم غيور على دينه وتاريخه وتراثه ووطنه من الدرجة الأولى.
وأما هوايته فهو هذا الحب الجامح لكل ما هو إسلامي عريق، أو حضاري عتيق، أو زخرفي أنيق، وقد ازداد ثقافة ومعرفة في مجال الإبداع في البناء بحكم اطّلاعاته الواسعة ورهافة حسه، فلم يدع مكتبة عالمية إلاّ زارها، ولم يترك كتاباً تاريخياً فيما أظن إلاّ قرأه.
وفي 2018/3/25، يقف سموّه في قاعة جامعة الشارقة وهي إحدى المباني التي تحتضنها المدينة الجامعية بالشارقة، ليُكرّم الفائزين بجائزة الشارقة لأطروحات الدكتوراه في العلوم الإدارية في الوطن العربي، وهم قد حضروا من بلاد شتى.
عندما يقف سموّه مثل هذا الموقف، لا شك أنه يشعر بالفخر والاعتزاز، إذ إنه يرى ثمرة جهده وعرقه ماثلاً أمام عينيه، فهو كم سهر على متابعة العمل أيام إنشائه للمدينة الجامعية، ثم كم وقف وأشرف على سير التدريس في هذه الكليات بتخصصاتها المختلفة حتى ذاع صيتها في الآفاق. ولم تقف الدراسة الجامعية فيها عند البكالوريوس والليسانس، بل تعدّت إلى الماجستير والدكتوراه، وهذه المرحلة لعمري هي آخر مرحلة يتمنّاها الفتى والفتاة، ونحمد الله تعالى أن منّ الله على صاحب السمو بطول العمر والصحة والعافية، حتى رعى خريجي الكليات من الحاصلين على الجامعية الأولى، كما رعى يوم تخرّج حملة الماجستير والدكتوراه، وهذه لا شكّ أنها أمنية يتمنّاها كل حاكم وكل مسؤول.
أنشأ صاحب السمو العديد من الجوائز التي استفاد منها طلبة العلوم والمعارف في الداخل والخارج، ومنها جائزة الشارقة لأطروحات الدكتوراه في العلوم الإدارية في الوطن العربي.
تأسست جائزة الشارقة لأفضل أطروحة دكتوراه في العلوم الإدارية بالتعاون مع المنظمة العربية للتنمية الإدارية عام 2001، وفي عام 2014 طُوِّرت الجائزة لتشمل دراسات الإدارة بوجه عام والعلوم المالية ونظم المعلومات وعلى مستوى الوطن العربي.
إذاً، هي جائزة لها أهميتها لأنها تشجِّع الباحثين على رصد ممارسات تجاربهم بغرض الوصول إلى الأفضل، وتشجّع على الدراسات الميدانية والتطبيقية المقارنة في الإدارة العربية.
ونحن إذ نبارك لجميع الفائزين في الجائزة، فإننا نتمنى لصاحب السمو حياة أطول ليرعى العلم والعلماء، وما أحوج ساحات العلم والمعرفة إلى مثله.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"