أوباما يحاول تبرئة ذمته

03:47 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. عبدالعزيز المقالح

لا أظن أن الوقت المتبقي للرئيس باراك أوباما في البيت الأبيض يكفي لتبرئة ذمته من الجرائم التي ارتكبها نظامه منذ تولي الرئاسة في حفل كان هو الأبهج في تاريخ الولايات المتحدة. كما أن المبررات التي بدأ يسوقها قطرة قطرة، وجملة جملة لن تستطيع أن تقنع مواطناً أمريكياً فضلاً عن مواطن آخر خارج الدولة الكبرى في العالم الثالث بخاصة، وفي الوطن العربي على وجه الخصوص حيث ارتكبت إدارته أشنع الأخطاء ولا تزال تواصل المزيد منها، ولم يكن ذلك الذي حدث هنا وهناك بعيداً عن موافقته العلنية أو الضمنية.
لقد حشرت دولته العظمى نفسها في قضايا العالم من دون وعي أو إدراك للعواقب، ومن قرأ مقابلته الأخيرة في صحيفة «ذي أتلانتيك» ومحاولته التنصل من كل ما جرى ويجري في العالم وفي الوطن العربي لا يسعه إلا أن يضحك ساخراً وأن يدرك مندهشاً هشاشة الأسباب والمبررات التي أوردها ليدل على عدم مشاركته في إشعال الحروب في المنطقة وإشاعة الفوضى في أكثر من مكان من العالم؛ وأغرب تلك المبررات إنكاره أن يكون للولايات المتحدة دور في كل ما حدث ويحدث لبعض الأقطار العربية هذه التي كانت ولا تزال تلعق جراحها وتواصل السير نحو الهاوية، ولا توجد أدنى محاولة لإيقاف هذا القطر العربي أو ذاك من الوقوع في الهاوية التي يرى المتابعون عن قرب أنها بلا قرار وأن إيقافها وقد وصلت نحو الحافة قد صار مستحيلاً وغير مقدور عليه لمجموعة من الأسباب الداخلية والخارجية، ولما تظهره الولايات المتحدة وقوى أخرى من مواقف مائعة لا تخفي بهجتها بما يحدث.
لقد كانت الولايات المتحدة وراء تدمير العراق والقضاء على دولته واللعب بأوراق المذهبية والطائفية وكان لها نصيب الأسد في التصفيات الدموية التي شهدها هذا البلد العربي من بداية الاحتلال عام 2003م حتى الآن.
وأكدت الأيام كما مجريات الأحداث، أن أوباما تسلم خريطة طريق تدمير العراق من سلفه جورج بوش لاستكمال ما تبقى من تفاصيل وجزئيات هادفة إلى تفتيت عراق الأمس وإغراقه في مستنقع الاقتتال والفوضى على ألا تتسرب قطرة نفط خارج ما تقتضيه الإرادة الأمريكية؛ فالنفط بالنسبة لها أغلى من كل الدماء التي تراق وأهم من كل ما تُخلفه العصبيات والصراعات التي شوهت وجه ذلك البلد العربي وقلبته رأساً على عقب وصارت إنجازات سبعين قرناً في مهب الرياح.
أما عن ليبيا البلد العربي الآخر الجريح وما صنعته الولايات المتحدة به فإن المأساة الساخنة هناك لم تستقر على حال، ولا تزال الدماء تراق وفقاً للخطة التي تم إعدادها لهذا البلد الذي عانى طويلاً نظامه السابق لكن معاناته الآن لا تقاس ولا يمكن إيجاد حالة واحدة للمقارنة بين ما كان وما هو كائن، لقد حاول أوباما في حديثه الأخير لصحيفة «ذي أتلانتيك» أن يتنصل أيضاً من مشاركة نظامه الديمقراطي في أماكن كثيرة لكنه لم يتمكن من التنصل من دوره في ليبيا، فاعترف بأن قوات بلاده تكفلت بتدمير الدفاعات الجوية وساعدت بذلك على إشعال الحرائق في العاصمة، والسؤال هو: من هو ذلك الجاهل الذي لا يعلم أن الدولة العظمى كانت هي القائد في المعارك التي خاضتها دول أوروبية أخرى في هذا البلد أو غيره وأن أسطولها في البحر الأبيض المتوسط هو الذي يرسم مناطق الهجوم ويحدد أماكن الضربات الموجعة لما كان قد تبقى من قوات النظام القديم.
لقد كان هدف الولايات المتحدة مكشوفاً، وهو هدف تم بالاتفاق مع » فرنسا «ساركوزي»، وإذا كان الاستيلاء على النفط هو المحرك الأساس فإن الهدف يشير أيضاً إلى أن ذلك لن يتحقق بالصورة الملائمة إن لم يتم تفكيك هذا البلد العربي الذي لا توجد فيه أقليات عرقية غير عربية ولا يعاني انقسامات مذهبية لكن نجاح الهدف يتطلب تمزيق هذا الوطن إلى دويلات متناحرة لا تجد حماية لبقائها إلا بالاستعانة بالقوى التي أوصلت البلد الواحد إلى هذا الدرك المحزن والوبيل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"