إطار كيري: 2014 سنة حسم التسوية

02:40 صباحا
قراءة 4 دقائق
التسريبات حول ما بات يُعرف ب"إطار كيري" باتت شبه يومية، ولا تجد من ينفيها في أوساط الوزير الأمريكي . والمقصود بالإطار محددات أساسية لمضمون اتفاق مفترض بين السلطة الفلسطينية وحكومة الاحتلال، وقد تم تحديد مدى زمني ينتهي بنهاية إبريل/نيسان المقبل، على أن تعقب هذا الاتفاق مفاوضات تفصيلية حول الوضع النهائي تختتم في نهاية العام الجاري 2014 .
الظروف مهيأة لاتفاق شبه مفروض . مكانة القضية الفلسطينية في الإقليم وفي العالم تتراجع لأسباب شتى . الأطراف الدولية من روسيا إلى الاتحاد الأوروبي سلّمت للراعي الأمريكي بالرعاية الحصرية للتفاوض الثنائي . الأطراف العربية المعنية تكاد تنحصر بالأردن ولبنان، إذ يُعنى كل منهما بمصير اللاجئين المقيمين على أرضه منذ أكثر من 65 عاماً . لبنان غارق في مشاكله الداخلية ويعجز منذ زهاء سبعة شهور عن تشكيل حكومة، ويتلقى تباعاً مضاعفات الأزمة السورية . الأردن معني ويستقبل كيري ومحمود عباس بصورة دورية، إضافة إلى زيارة سريعة قام بها نتنياهو لعمّان وسمع خلالها حرص الأردن على "مصالحه العليا" . لكن عمّان تتكتم حول مواقفها من تسريبات الإطار، وبالذات بما يخص مسألة الحدود مع الضفة الغربية ومن سيرابط فيها مستقبلاً . وفي التسريبات وبعضها منسوب للمبعوث الأمريكي للمفاوضات مارتن أنديك أن قوة أمريكية - أردنية- "إسرائيلية" سترابط على الحدود، إضافة إلى منطقة عازلة تتضمن إقامة
أسوار فاصلة بين الضفتين الغربية والشرقية، ووضع أجهزة استشعار .
التسريبات وآخرها ما نشرته "يديعوت أحرونوت"، تتضمن بقاء نحو 80 في المئة من المستوطنين في بؤرهم الاستيطانية الكبيرة، على أن تتقرر في المفاوضات النهائية تبعية هؤلاء كمقيمين في الأراضي "الإسرائيلية" أو "إسرائيليين يتبعون دولتهم" . والعاصمة الفلسطينية ستكون في ضواحي القدس الشرقية في المسافة الفاصلة بين القدس ورام الله . وبديلاً عن أراضي المستوطنات يتم اقتطاع أراض تلحق بالدولة الفلسطينية . وفي التسريبات أن تعويضات سوف تدفع للاجئين الفلسطينيين وليهود غادروا الدول العربية إلى الكيان الصهيوني .
في تسريبات أخرى أن حق العودة محظور لكنه مسموح للاجئين بعد عودتهم إلى الضفة الغربية باعتبارها الوطن القومي للشعب الفلسطيني بحرية الحركة والإقامة في ديارهم الأصلية . وأن الأرقام (حول المستوطنين غير دقيقة، وتركها الجانب الأمريكي للتفاوض) .
ما نسب إلى مسؤولين فلسطينيين وبالذات إلى أمين سر منظمة التحرير ياسر عبدربه أن اتفاق الإطار "مرفوض وأنه إسرائيلي" . حكومة نتنياهو من جهتها وحسب التسريبات ترفض بدورها الاتفاق وتعتبره لا يلبي "حاجاتها الأمنية" المزعومة . فيما تؤكد مصادر أردنية التي تستقبل كل مرة كيري إضافة إلى مسؤولين أمريكيين آخرين، أن رئيس الدبلوماسية الأمريكية عاقد العزم على حمل الطرفين ضمن سقف زمني مسبق على التوصل إلى تفاهم حول اتفاق إطار، تليه مفاوضات تفصيلية ابتداء من مايو/أيار حتى نهاية العام للتوصل إلى تسوية نهائية . بما يحسب لكيري شخصياً وللرئيس أوباما الذي قطع وعوداً كبرى منذ مستهل ولايته الأولى ببذل كل الجهد لإنجاز تسوية شرق أوسطية .
يبرع كيري مع مساعدين له بعضهم في البنتاغون، في وضع تصورات تستجيب بصورة ما لمطالب كلا الجانبين في معظم القضايا المثارة من الحدود إلى اللاجئين إلى القدس إلى المستوطنات، وذلك بتسييل هذه المطالب المنتاقضة وجعلها تلتقي في النهاية وتختلط، بما يلبي قدراً مهماً أو يبدو مهماً من مطالب الفريقين . . ورغم الرفض الذي أبداه الطرفان حتى الآن للاتفاقية، فإنهما في واقع الحال عاكفان على دراستها بصورة تفصيلية ووضع تعديلات عليها . إذ إن مواقف الرفض تظل إعلامية ولا تكتسب صفة رسمية .
الخيارات الفلسطينية محدودة، وقد أدى الانقسام عملياً إلى نشوء كيانين وتأثير حماس يظل ضئيلاً في الضفة الغربية . وقد ضعف نفوذها بعد التغيير الذي جرى في مصر خلال يونيو/حزيران الماضي . أما منظمات اليسار وسواها ففقدت الكثير من صدقيتها في الشارع، بعد الذي جرى من أهوال في مخيم اليرموك قرب دمشق . والمعارضة الفعلية هي تلك التي تبديها قوى مستقلة وتيارات داخل فتح . والأسابيع المقبلة مرشحة لحراك واسع، قد يظل بعيداً في معظمه من الأضواء، باتجاه اعتماد أفضل الخيارات التفاوضية، وبتنسيق مع عمّان التي تنوء بمشكلاتها الاقتصادية البنيوية، وقد باتت تحتضن لاجئي فلسطين وسوريا، والتي تجد في التسويات طريقاً لتصريف المتاعب الداخلية وبعضها ذو طابع أمني مع تفاقم الأزمة السورية واستمرار تدفق اللاجئين السوريين، فيما تدعم الرياض التنسيق الفلسطيني- الأردني، ومهمة كيري، وتولي اهتماماً خاصاً بمستقبل القدس ومقدساتها الإسلامية .
ومن الملاحظ أن أبرز موجة اعتراض على ما يتسرب من الاتفاقات تظهر لدى أطراف أردنية حزبية وغير حزبية محذرة من مشروع "وطن بديل" للاجئين الفلسطينيين في الأردن، وهو ما سوف يجعل الأردن في غضون هذا العام منغمساً في المفاوضات، إذا ما قيض لها أن تنتقل إلى مرحلة نهائية كون اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات الأردن يحملون الجنسية الأردنية منذ أزيد من ستة عقود، فيقول الطرف الفلسطيني كلمته على طاولة المفاوضات بشأنهم كونهم فلسطينيين، ويقول الأردن كلمته بخصوصهم كونهم أردنيي الجنسية . علاوة على مسألة الحدود، والعلاقة المستقبلية بين الأردن والكيان الفلسطيني الناشئ، وهو ما سيجعل عمّان في نهاية المطاف طرفاً مُقرراً وغير خارجي في المفاوضات، حتى لو لم يجلس ممثلوها إلى الطاولة .
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"