إفريقيا ما وراء “إيبولا”

04:20 صباحا
قراءة 4 دقائق
بين المخاوف العالمية الجسيمة هذا الصيف، احتكر انتشار فيروس "إيبولا" المناقشة حول البلدان الواقعة جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا، وأعاد تنشيط مفاهيم عتيقة بالية عن الفوضى واليأس في وقت بدأت تظهر صورة جديدة لإفريقيا الديناميكية . ولكن لا يزال هناك في واقع الأمر سبب قوي للتفاؤل بشأن مستقبل المنطقة .
لقد طغى تفشي "إيبولا" على ثلاثة أحداث رئيسية تؤثر بشكل كبير في المنطقة . ففي الأول من يوليو/ تموز تم تنفيذ إعادة الهيكلة التنظيمية في مجموعة البنك الدولي . وبعد أسبوعين، أعلنت مجموعة البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا) إنشاء بنك التنمية الجديد . وفي أوائل أغسطس/آب، اجتمع زعماء الحكومات وكبار رجال الأعمال الأفارقة في واشنطن لحضور القمة التي قد تبشر باستثمار خاص قادر على تحويل وجه إفريقيا .
ويشكل هذا الاستثمار ضرورة أساسية في عالم تتجاوز تدفقات رأس المال الخاص الصافية إلى البلدان النامية عشرة أضعاف مساعدات التنمية الرسمية . وإذا كان لهذا أن يصبح نقطة تحول بالنسبة لإفريقيا، بدلاً من كونه مجرد فجر كاذب آخر، فلا بد أن يكون هذا الصيف بداية جهود مطولة لتحفيز مشاركة القطاع الخاص .
إن إعادة تنظيم البنك الدولي كجزء مركزي من جهد أكبر بقيادة رئيس البنك جيم يونغ كيم لتصحيح وضع البنك بوصفه مسهلاً في التعامل مع القطاع الخاص، بدلاً من عمله كمعيل أولي . ففي الفترة من عام 2009 إلى عام ،2013 ارتفعت الالتزامات الاستثمارية من قِبَل مؤسسة التمويل الدولية، وهي ذراع الإقراض في البنك الدولي، بنسبة 73% . ومن ناحية أخرى، قررت هيئة التمويل الدولية لضمان الاستثمار المتعدد الأطراف، وهي الهيئة التي توفر للبنك الدولي التأمين ضد المخاطر السياسية والتي تغطي الاستثمارات في البلدان النامية، توسيع أنشطتها، بتنويع المشاريع التي تدعمها وتوسيع تعريفاتها الحالية بحيث تسمح بتغطية أكبر .
وتحدث إعادة هيكلة يوليو/تموز في إطار هذه التحركات الأوسع . وفي إعادة تنظيم المكون الرئيسي في مجموعة البنك، وهو البنك الدولي للإنشاء والتعمير، تبنى كيم نموذجاً للاستشارات الإدارية يوحد بين الخبرات والتغطية الإقليمية . وفي السعي إلى إزالة "صوامع" البيروقراطية التي عزلت الخبراء الإقليميين بعضهم عن بعض، تم إنشاء 14 مجموعة ممارسة عالمية في مجالات مثل الطاقة والمياه والتعليم لتفعيل القوة الكاملة لمعارف البنك الدولي الكبيرة في دعم المشاريع والشراكات .
وبينما كان البنك الدولي يعيد تصحيح أوضاعه، اتفقت بلدان مجموعة البريكس على إنشاء بنكها الجديد . وهناك قضايا مهمة معلقة حول الكيفية التي سوف يعمل بها بنك التنمية الجديد، ولكن المؤشرات المبكرة تدل على أن مشاريع البنية الأساسية ستشكل جزءاً مركزياً من أنشطة البنك، مع التركيز على إفريقيا .
وفقاً لتقديرات البنك الدولي فإن البنية الأساسية غير الكافية تعمل على الحد من القدرة الإنتاجية في إفريقيا بما يقرب من 40% . والواقع أن دخول لاعب جديد برأسمال أولي مصرح به 100 مليار دولار - فضلاً عن برنامج تمكين إفريقيا التابع للولايات المتحدة الذي جمع 26 مليار دولار في هيئة التزامات منذ إطلاقه في العام الماضي، ومرفق البنية الأساسية العالمية الجديد التابع للبنك الدولي - يَعِد بالمساعدة في تيسير عمليات تمويل مشاريع البنية الأساسية بشكل كبير .
ولكن حتى الآن، لا يزيد بنك التنمية الجديد إلا قليلاً عن كونه بياناً لإعلان التضامن السياسي، ويتبقى لنا أن نرى ما إذا كان سيتحول إلى كيان حقيقي . وحتى إذا بدأ بأداء وظيفته، فإن مجموعة البريكس تفتقر إلى ما يعطي بنوك التنمية، والبنك الدولي بشكل خاص، الشرعية والثِقَل: وأعني هنا هيئة العاملين التي تتألف في أغلبها من خبراء متفانين من بين الأفضل في العالم .
وأخيراً، كانت التغطية الإعلامية المكثفة لقمة زعماء الولايات المتحدة وإفريقيا، التي حضرها أكثر من أربعين من رؤساء الدول والحكومات، فضلاً عن مشاركة الرئيس باراك أوباما بشكل مباشر، سبباً في توليد اهتمام كبير بإفريقيا . ومن المؤكد أن رجال الأعمال والمستثمرين الأمريكيين اكتسبوا قدراً أكبر من الوعي بإمكانات إفريقيا وفهماً أعمق للمجموعة المتنوعة من المناخات الاستثمارية في مختلف أنحاء القارة .
ولكن برغم أننا نستطيع أن نعتبر القمة ناجحة، فإن أثرها في الأمد البعيد غير واضح، وخاصة بسبب عدم اليقين بشأن الخطوة التالية . فحتى هذه اللحظة، لا يبدو أن هناك خطة لإضفاء الطابع المؤسسي على القمة .
فضلاً عن ذلك، فقد طغت مشاركة هذا العدد الكبير من رؤساء الدول على مشاركة كبار رجال الأعمال الأفارقة . وكان من الممكن رعاية الاتصالات العملية، التي سوف تحتاج إليها الشركات الأمريكية عندما تقرر الاستثمار، على هامش القمة، أو في أعقابها، ولكن هذا لم يحدث . إن إرساء الأساس للمشاركة في المستقبل يتطلب التزاماً مستمراً وجهوداً تتجاوز مجرد الدعاية .
وبوسعنا أن نقول الشيء نفسه عن البنك الدولي . فهناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به لدمج النموذج التنظيمي الجديد في بنية البنك الحالية ومجالات ممارسته . وحتى إذا حدث هذا الانتقال بسلاسة، فإن البنك يواجه صراعاً داخلياً خطراً ضد المصالح البيروقراطية الراسخة والعقلية المؤسسية المراوغة المفرطة في النفور من المجازفة والتي تعاني هوساً مَرَضياً بالعمليات وليس النتائج .
في السنوات الأخيرة، برزت إفريقيا التي كانت ذات يوم مثاراً للشفقة بوصفها أرضاً للفرص . وإذا كان لها أن تتحول إلى أرض للأداء الناجح الحقيقي فإن الهدف الآن لا بد أن يكون تيسير الاستثمار المحلي والأجنبي . وسوف يتطلب هذا بذل الجهود والالتزام، ولأن استقرار النظام الدولي يعتمد بشكل متزايد على ازدهار ونمو إفريقيا، فيتعين على العالم أن يبذل قصارى جهده لتحقيق هذه الغاية .

آنا بالاسيو
* وزيرة خارجية إسبانيا السابقة، وكبيرة نواب رئيس البنك الدولي سابقاً، والمقال ينشر بترتيب مع "بروجيكت سنديكيت"

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"