إيران.. النظام ينتخب نفسه!

03:03 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

طغت أخبار انتشار فيروس كورونا في إيران، على الانتخابات البرلمانية التي جرت يوم 21 فبراير الماضي، وبخاصة مع تواتر أنباء إصابة بعض مسؤولي النظام بهذا المرض، منهم نائبة الرئيس لشؤون المرأة معصومة ابتكار. وقد حمّل مسؤولون في طهران مرض كورونا «مسؤولية» تراجع نسبة الإقبال على هذه الانتخابات إلى 42 بالمئة (بينما بلغت في العاصمة طهران 25 بالمئة فقط) وهي أدنى نسبة إقبال في التاريخ الانتخابي للجمهورية الإسلامية الإيرانية. لكن هذا الانخفاض الملحوظ، لم يثر قلقاً يذكر لدى الأوساط الرسمية، فالعبرة في الخواتيم والنتائج الملموسة. وكما كان مقدّراً، فقد فاز المحافظون المتشددون بعدد كبير من المقاعد بلغ 221 مقعداً من جملة 290 مقعداً. فيما اقتصر حظ الإصلاحيين على 16 مقعداً. وذلك في تراجع مُطرد لهؤلاء، نتيجة التضييق المتزايد عليهم، والنزوع إلى تغليب اللون الواحد على مؤسسات الحكم. ولعل أوضح إجراء تم اتخاذه بما يتعلق بهذه الدورة من الانتخابات والتي تحمل رقم 11، هو إقصاء طلبات 7296 للترشيح، ومعظم هؤلاء من الإصلاحيين. ويتولى مجلس صيانة الدستور هذه المهمة. وأمام ذلك، قرر مجلس يضم الحركات الإصلاحية عدم التقدم بأية قائمة انتخابية في طهران، تاركاً في الوقت نفسه للحركات الإصلاحية منفردة، الترشح إن ارتأت ذلك. فكان أن ترشحت بالفعل قائمة باسم «كوادر البناء»، وقائمة أخرى باسم «تحالف من أجل إيران»، وكانت النتيجة أن أحداً من مرشحي القائمتين لم يُقيض له الفوز.
وعليه، ليس من المبالغة في شيء، ولا حتى من باب المجاز، القول إن النظام ارتأى أن يتنافس مع نفسه، تاركاً هامشاً ضئيلاً للآخرين، لأغراض الديكور الديمقراطي. وقد حدث مثل ذلك من قبل، في دورات سابقة، وكل ما في الأمر أن القوى المتنفذة باتت أكثر تمحوراً حول الذات، وأشدّ إقصاءً للغير، من دورة إلى أخرى. وهو ما يدركه الناخب الإيراني الذي لا يجد في هذه المناسبة ما يثير أملاً في تحسين الأوضاع، وما يفسر النسبة المتدنية للمشاركة في الاقتراع. كما يلعب الوضع الاقتصادي المتفاقم دوراً مشهوداً في تضاؤل الثقة بمغادرة حالة الجمود وتراجع المستويات المعيشية ونقص فرص العمل.
وبما أن نتيجة هذه الانتخابات كانت متوقعة، بل شبه محتمة، فإن تأثير نتائج هذه الانتخابات في الوضع الداخلي، وفي السياسة الخارجية، وفي التعاون البرلماني مع رئاسة الجمهورية، يبدو ضعيفاً. ذلك أن شيئاً لم يتغير على إمساك المحافظين المتشددين بمقاليد الحكم ومؤسساته ومفاصله. بما في ذلك البرلمان منذ انتهاء عهد الرئيس الأسبق محمد خاتمي في العام 2005. والذي حيل بينه وبين إجراء أية إصلاحات ذات شأن نتيجة تغلغل المحافظين في مراكز الحكم الحساسة. وها هو خاتمي نفسه يتعرض للمنع من السفر، ويُحظر نشر مقالاته وتصريحاته في الصحف المحلية، ولا يتردد في الجهر بأن «الشعب لا يثق بالنظام»، وفقاً لتصريح له في 26 مارس/‏آذار الماضي، إبان موجة من الاحتجاجات الدورية التي تشهدها البلاد.
وفي المحصلة، فإن الانتخابات تجرى بين جموع المحافظين وتياراتهم وشخوصهم، لتنظيم التنافس فيما بينهم، وحيث يسمح الانتماء إلى هذه التيارات بالترقي والصعود للمنتمين الطامحين، فيما تتيح السيطرة على وسائل الإعلام المختلفة التقليدية منها والحديثة، الرسمية والأهلية، التعبير عن اللون الأيديولوجي الواحد بنغمات مختلفة ونبرات شتى، فيما يتم إقفال أية منابر تعكس أي مستوى من مستويات التعددية، وهو ما كان يحدث حتى في أيام خاتمي الإصلاحي. علماً أن جهازي الإذاعة والتلفزيون الرسميين لا يقعان تحت سلطة رئيس الجمهورية، بل ضمن اختصاص المرشد الأعلى. وقد جرت بالتوازي مع الانتخابات البرلمانية، انتخابات جزئية لمجلس قيادة الخبراء، وهذا المجلس الذي تمتد كل ولاية له إلى ثماني سنوات، هو من يختار المرشد الأعلى. وبالنظر إلى حساسية هذا المجلس بما يفوق أهمية البرلمان، فإنه يمكن توقع هوية أعضائه، قياساً بهوية من أجيز لهم الترشح للانتخابات النيابية، ومن تم حظر ترشحهم.
وليس مهماً ما يتمتع به المجلس النيابي الجديد من فرص التمثيل الفعلي لملايين الناخبين، فالمهم «إلحاق الهزيمة بأعداء الأمة» على ما يردد مسؤولون إيرانيون كُثُر!

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"