"إيرينا": تنمية الظفر والثقافة الخضراء

04:34 صباحا
قراءة 3 دقائق

لا يحتاج المشهد في شرم الشيخ الى خيال، لمعرفة حجم الفرح المشوب بالبكاء، حينما توَّج المجتمع الدولي، دولة الإمارات، مقراً دائماً للوكالة الدولية للطاقة المتجددة (ايرينا).

تستطيع أن تلمحه الفرح الباكي في عيون الشيخ عبدالله بن زايد، وهو يتلقى التهاني من الوفود الدولية، وتستطيع أن تتلمسه، وربما أن تتخيله في عيون القيادة السياسية وهي تتابع المشهد بافتخار وابتهاج، عبر شاشات التلفزة.

لم يكن هذا الظفر سهلاً، أو ملقى أمامنا في الطريق، فالذين يعرفون المقومات والمعوقات والمفاوضات وغابات المصالح المتبادلة وتعقيداتها، والبحث عن سياق للائتلاف في ذروة التنافس والاختلاف، هم وحدهم الذين يدركون، كم كانت رحلة الوصول الى (ايرينا) شاقة، لكنها تستحق كل هذه المشقة والجهد والإصرار على النجاح.

وحينما وجَّه سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الفريق الوطني قبل شهور، بأن هذه معركة لا نقبل الخسارة فيها، كانت الرسالة قد وصلت الى العقول والوجدان، وشهدت بنفسي أولى خطواتها في اسطنبول، أثناء منتدى تحالف الحضارات، حينما كان الدكتور أنور قرقاش، يعبر الحواجز في بيئة دولية غامضة، ومنافسة شرسة لكنها شفافة وحاذقة، وبعضها مدجج بالتكنولوجيا والميديا والإرث الكبير.

دولة من الجنوب، هي الإمارات، وموجات الجنوب أصابها الجزر وساعاته مقلوعة العقارب، والزمن يبدو واقفاً.

دولة من الجنوب تنافس دولاً شمالية عريقة، على استضافة مقر لوكالة دولية، معنية بالطاقة المتجددة.. والأخطر من ذلك، أن الإمارات دولة منتجة للنفط، وبصمتها البيئية عالية، ومع ذلك فإن الصهيل البيئي قادم، ويمتلك الإرادة والإمكانات، دولة شابة لا تستخدم العكازات في عز الصبا، وإنما أوراق اعتمادها أخلاقية وإنسانية، والتزامات دولية، واستجابة قوية لتحديات قد تتضاعف في المستقبل.

الكلمة، ليست فقط للكبار، في الإقليم أو في غير الإقليم، الكبار الذين أدمنوا شراب العظمة، واحتكار السلطات العالمية والمنظمات الدولية والإقليمية، الأمر لم يكن سهلاً، وشبكة العلاقات الدولية ليست لعبة تنس، أو طاولة زهر، إنها أعقد من لعبة الشطرنج، وهي معادلات ولوغريتمات تحتاج الى دبلوماسية حاذقة، ورؤية ثاقبة وإرادة سياسية صلبة، وفرق عمل تعمل بروح الفريق، وبحماسة من يحمل رسالة وطنية، لا مجرد وظيفة تقليدية. هذا الظفر، الذي نهنئ به الدولة والقيادة السياسية، ذو جذر سياسي بالدرجة الأولى، وبالتالي يضاعف في حمولاتنا السياسية، والتزاماتنا الدولية، ومسؤولياتنا تجاه فكرة الاستدامة بكل أبعادها.

النجاح قابل للنمو والاطراد، إذا توافرت أسباب إدامة شروطه، والمستقبل للطاقة المتجددة والنظيفة، وهو حاصل جمع الممكنات التي لم تتحقق بعد، وهو بيد الأجيال الجديدة التي ستحصد محاصيله النافعة.

تنمية الظفر ممكنة، طالما صوَّت لنا العالم في شرم الشيخ، باعتبار أننا في الإمارات لا نخشى المسؤولية ولا نتراجع عن حمل أعبائها الدولية.

نحن الآن، ومقر ايرينا في أرضنا، نمثل دول العالم الثالث، مثلما نمثل العالم المتقدم، حيث يستهلك سكانه طاقة وموارد طبيعية بسرعة أكبر من سرعة الأرض على إنتاج هذه الطاقة والموارد، وعلى سبيل المثال، فإن الصين وأمريكا معاً تستهلكان أكثر من 45 في المائة من موارد كوكب الأرض.

رسالة (ايرينا) الإنسانية والتكنولوجية والتوعوية والعلمية واضحة، وهي سلامة كوكب الأرض، فكيف إذاً نوصلها أولاً الى مجتمعنا الإماراتي والخليجي، وكيف نوطِّنها ثقافة وكوادر وطنية وتربية وسلوكاً، ونقدمها الى العالم الخارجي، التزاماً وأفعالاً على الأرض.

نعم.. نحن لا نخشى المسؤولية الدولية، والقيام بأعبائها ومتطلباتها، فهماً لذاتنا، وإدراكاً واعياً بالآخر وباحتياجاته.

لقد امتلكت الدبلوماسية الإماراتية، يقودها أحد أبنائها ممن تربوا بمدرسة المغفور له الشيخ زايد، مفاتيح ملائمة، أتاحت لنا التجوال في أروقة دول العالم، وفتحت لنا غرفاً موصدة، وحققت هذا الظفر المجيد.

الاحتفاء بهذا التتويج مشروع، وتنمية هذا الظفر مطلوبة، بدءاً من ثقافة خضراء ووعي مجتمعي عميق، وتفاعل جدلي منخرط بلا تردد مع أفضل الممارسات والتجارب والعلوم الدولية، وصولاً الى التزام ومسؤولية يُعتمد عليها.

الوطن يستحق الفرح.. وهو مملوء بالساهرين على مستقبله.. ولتكن (ايرينا) الدرس الأول، والاختبار الأول.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"