ازدواجية العلاقات العربية الروسية

03:12 صباحا
قراءة 3 دقائق
الحسين الزاوي

يتضاعف مع مرور الوقت الدور الجيوسياسي لروسيا في الوطن العربي وفي كامل محيطه الإقليمي، سواء تعلق الأمر بالعلاقة مع إيران أو «إسرائيل»، أو تركيا التي شهدت علاقاتها مع موسكو توتراً مقلقاً على خلفية التطورات الجارية حالياً في منطقة إدلب السورية.
وتكمن الازدواجية التي نتحدث عنها في هذا السياق بالنسبة للعلاقات العربية مع روسيا، في التقييمات ووجهات النظر المتعارضة في مختلف الدول العربية بشأن العودة الكبرى لروسيا إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث ينظر البعض إلى هذه العودة بوصفها تمثل عنصر توازن إيجابياً في المنطقة في مرحلة تراجع فيها الدور الأمريكي بشكل لافت وانحاز موقفه كلياً للأطروحات «الإسرائيلية» في قضية فلسطين التي تمثل حجر الزاوية في الصراع العربي الصهيوني، بينما تنظر أطراف أخرى إلى الحضور الروسي نظرة سلبية وترى أن موسكو تلعب دوراً «كابحاً للتغيير».
ويمكن القول في هذه العجالة إنه بصرف النظر عن دلالة هذه الازدواجية التي تشير إلى وجود عنصرين منفصلين يتبادلان الأهمية والتأثير في المشهد السياسي العام في سياق مسار تفاعلي، فإن العلاقات العربية الروسية شهدت خلال السنوات الأخيرة تحولات جوهرية بداية من الانطلاقة الجديدة في علاقة القاهرة مع موسكو، وختاماً بالقفزة الكبيرة التي عرفتها العلاقات القائمة ما بين دول الخليج العربي وروسيا، والتي كانت أهم محطاتها الزيارة المهمة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والتي توِّجت بالتوقيع على العديد من مشاريع الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، وفتحت آفاقاً واعدة للتعاون بين روسيا والوطن العربي.
وبالتالي، فإنه إذا ما وضعنا جانباً تباين المواقف الذي يصل إلى مستوى الازدواجية بشأن الوجود الروسي في سوريا، من أجل دعم الحكومة السورية، فإن موسكو استطاعت بحسب التقييمات التي أجمع عليها معظم المراقبين الدوليين، أن تقيم علاقات ودية غير مسبوقة تاريخياً مع مختلف الدول العربية مشرقاً ومغرباً؛ إذ إنه إضافة إلى علاقاتها التقليدية منذ الاتحاد السوفييتي مع بعض الدول العربية مثل الجزائر، فإن موسكو استطاعت أن تنشط علاقاتها مع دول الخليج والمملكة المغربية، ومصر، في وقت قياسي وفي ظرف دولي وجيوسياسي بالغ التعقيد، وتحولت موسكو بسرعة فائقة إلى محاور مفضل بالنسبة لأغلبية الدول العربية، وذلك بعد أقل من ثلاثة عقود من خروجها من منطقة الشرق الأوسط.
ويعود الحضور الروسي الفعلي في الوطن العربي من حيث جذوره التاريخية إلى مرحلة العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956؛ إذ إنه على الرغم من اعتراف الاتحاد السوفييتي ب«إسرائيل» سنة 1948، فإن القيادات المصرية والسورية لم يكن أمامها في تلك المرحلة سوى التحالف مع موسكو لمواجهة الدعم غير المشروط الذي كانت تقدمه الدول الغربية لتل أبيب، ومن أجل إعادة شيء من التوازن في منظومة التسليح في المنطقة في سياق كان يغلب عليه شعار «نريد سلاحكم ولكننا نترك أفكاركم»، في إشارة إلى العقيدة الشيوعية التي كان يتبناها الاتحاد السوفييتي.
وعليه، فإنه بعد انهيار المعسكر الشرقي زالت معظم العوائق التي كانت تقف في وجه تحقيق تقارب شامل ما بين الدول العربية وروسيا.
أما بالنسبة للتدخل العسكري في سوريا، فإن الكثير من التحليلات تذهب إلى أن روسيا لاحظت أن هناك محاولات غربية حثيثة من أجل إبعادها بشكل كامل عن الشرق الأوسط بعد سقوط حليفها في العراق إثر الغزو الأمريكي سنة 2003، واستغلال فرنسا وبريطانيا لقرار الأمم المتحدة بشأن الأوضاع في ليبيا من أجل إسقاط نظام القذافي، وقناعتها بأن خروجها من قاعدتها البحرية في سوريا سيعني حتماً فقدانها لأي موطئ قدم في المياه الدافئة شرق المتوسط. ومن الواضح أن موسكو اعتمدت من أجل المحافظة على وجودها في المنطقة، على منهجية واقعية وبراجماتية تعي جيداً مدى محدودية قدراتها الاقتصادية، مستندة ليس فقط على الأقوال، ولكن أيضاً على الأفعال، في مرحلة حرصت فيها الدول الغربية على الدفاع عن مصالحها التجارية في المنطقة وعلى اعتماد سياسات قائمة على حملات للعلاقات العامة.
ونخلص إلى أن العلاقات العربية الروسية على الرغم من الازدواجية التي تميّزها نتيجة لغياب مقاربة موحدة بشأنها، فإنها استطاعت أن تخلق ديناميكية فعالة في علاقات الدول العربية بمحيطها الإقليمي والدولي، تعتمد على خيار نظام دولي جديد متعدد الأقطاب، يسمح للدول العربية تجنب الابتزاز السياسي الذي سعت الولايات المتحدة إلى ممارسته في زمن الأحادية القطبية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"