استراتيجية ترامب لأمريكا الجديدة

03:10 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبدالخالق

ردود الفعل المتباينة تجاه وثيقة الأمن القومي التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأسبوع الماضي جاءت متوقعة؛ المؤيدون له اعتبروها إعلاناً عن عودة القيادة الأمريكية للعالم بعد سنوات من التراجع، وتطبيقاً لمبدأ «أمريكا أولاً» اقتصادياً وسياسياً عسكرياً، بما يردع كل خصومها حتى لو أغضبت تصرفاتها حلفاءها الأقربين.
على الجانب الآخر لم ير المعارضون في الوثيقة سوى 68 صفحة من الشعارات الجوفاء، وأنها يمكن أن تكون أي شيء غير الاستراتيجية، ويمكن أن تحقق أي شي إلا الأمن القومي. آخرون في صفوف الرافضين كانت لهم وجهة نظر أخرى مثل المؤرخ آرثر هيرمان الذي يرى أن الوثيقة ليس كلمات جوفاء، بل توجهات خطيرة تعيد العالم إلى ما قبل 1917. وفي مقال كتبه بصحيفة «وول ستريت جورنال» أوضح أن العالم الذي يعيدنا إليه ترامب هو عالم فوضوي، تسعى فيه كل دولة إلى تحقيق مصالحها بالقوة. عالم كما يقول لا يعترف بالتفاهم بل بالصراع لتحقيق المصالح.
بين الاتجاهين المعارض والمؤيد، تبقى مساحة واسعة يشغلها كثيرون من المحايدين. أصحاب هذا الاتجاه الوسطي اعتبروا الوثيقة ترجمة واقعية لحقائق ومعطيات العصر وتحدياته. وأن ما طرحه ترامب لا يختلف في الواقع عما قدمه سابقوه من رؤية للأهداف التي يريدون تحقيقها، والتحديات والتهديدات التي تواجه بلادهم. قد تكون هناك بعض الاختلافات مثل إسقاط مشكلة التغييرات المناخية كأحد التهديدات للأمن القومي، أو المبالغة في حجم الخطر الصيني والروسي، أو الهواجس من الأجانب والمهاجرين. ولكن إجمالاً الوثيقة تقليدية، ولا تمثل استثناء في الحياة السياسية الأمريكية.
أحد النماذج المهمة للتناول الموضوعي، كان التقرير الذي نشرته مجلة «التايم» والتي تعاملت مع الوثيقة باعتبارها خريطة طريق لا بأس بها، لتحقيق الأهداف الأمريكية وخدمة مصالح البلاد. غير أن المجلة طرحت ثلاثة تحفظات؛ الأول يتعلق بما يريده ترامب وما أكدته استراتيجيته من ضرورة نشر قيم أمريكا وتوسيع نفوذها عالمياً. تحتاج واشنطن لتحقيق ذلك إلى مساعدة الآخرين، وهذا الأمر لا غنى عنه إذا كانت تريد احتواء خطر كوريا الشمالية ومواجهة التغول التجاري للصين، وردع الطموحات الروسية، واستعادة دورها في الشرق الأوسط، ودحر الإرهاب. بغير أصدقاء وحلفاء مخلصين لا يمكن لأمريكا أن تحقق شيئاً من هذه الأهداف. ولكن، من أين لها مثل هؤلاء الأصدقاء في وقت تنسحب فيه من اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادي، وهو تجمع تجاري عملاق يضم بعض جيران الصين؟ ليس هذا فقط، بل هزت إدارة ترامب ثقة أعضاء الناتو في التزامها بواجباتها الدفاعية والمالية تجاههم، ثم انسحبت من اتفاق باريس للمناخ تاركة الساحة للصين لتقدم نفسها كقوة عالمية أكثر حرصاً على مصلحة الدول الأخرى وسلامة شعوبها. يضاف إلى ذلك تراجع أمريكا عن دورها في حل أو على الأقل احتواء أزمات الشرق الأوسط المتفجرة، عندما تفعل واشنطن ذلك كله، فلا يجب أن تتوقع غير زيادة خصومها.
التحفظ الثاني، يتعلق بالتناقض بين ما يقوله ترامب وما تطرحه الاستراتيجية من أهداف، مثل إصراره على تطبيق شعار «أمريكا أولاً»، حتى لو أدى ذلك إلى تجاهل مصالح الآخرين، وبالتالي لا يمكن توقع تعاون إيجابي معهم. كما أن دعوة الوثيقة لنشر القيم الأمريكية خارجياً، تتعارض مع موقف ترامب من بعض القضايا مثل الديمقراطية.
التحفظ الأخير يتصل بظروف ووضع أمريكا حالياً كدولة منقسمة على نفسها وهي حقيقية باتت واضحة للعالم. هناك انقسام حول السياسات الداخلية والخارجية على السواء، وهو يتعمق منذ سنوات وتفاقم بعد فوز ترامب. دولة هذا حالها لا يمكن أن توحد العالم خلفها، وليس بوسعها قيادة جبهة متماسكة من الحلفاء. الأزمة الحقيقية كما تقول المجلة إن الكلمات مازالت هي المهيمنة وليست الأفعال، وبالتالي فإن وثيقة ترامب الجديدة ليست هي الحل، لأن المشكلة ليست في الرسالة ولكن في المرسل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"