استعادة كامل سيناء

05:58 صباحا
قراءة 4 دقائق

الجريمة التي وقعت في سيناء، مازالت أصداؤها تتردد بعد أسبوع على وقوعها . استهدفت الجريمة جنوداً مصريين في نقطة عسكرية متقدمة من الحدود (رفح) مع قطاع غزة والدولة العبرية، فاستشهد 16 جندياً مصرياً بعضهم مجندون في زهرة الشباب . تمت الجريمة عند الغروب ساعة الإفطار، وبدت جثث الشهداء في حالة مروعة، إذ تعرضوا للقتل المباشر كما يبدو من مسافة قريبة وعلى أيدي قتلة محترفين . لم تعلن جهة مسؤوليتها عن العملية، ومع ذلك تم توجيه الاتهام بسرعة إلى جماعة فلسطينية متطرفة قدِم أفرادها من غزة، وهي الرواية التي أطلقها في البدء الاحتلال الصهيوني، وبما أن الجريمة الغامضة مازالت قيد التحقيق، فإن المرء لا يستبعد ابتداء أي احتمال . أثارت الجريمة أصداء قوية في مصر، فقد وقعت بعد استقبال الرئيس محمد مرسي قادة حركة حماس، والإعلان عن فتح معبر رفح بصورة دائمة لتمكين أبناء قطاع غزة من التواصل مع العالم الخارجي، ولتنشيط الحركة التجارية بين الجانبين المصري والفلسطيني . بدت الجريمة وكأنها من قبيل الجحود وما هو أسوأ منه، من الطرف الفلسطيني الذي يسيطر على قطاع غزة، والذي بات قادته يُستقبلون بترحاب على أعلى المستويات في القاهرة . تتوجب الإشارة هنا إلى أن منطقة سيناء ظلت منذ عقود منطقة رخوة أمنياً، ففي أثناء احتلال المنطقة عملت قوات الاحتلال على تمليك أراضٍ لبدو وسهلت تجارة المخدرات وحصل كثيرون على أسلحة . وبعد الانسحاب الصهيوني وفق كامب ديفيد العام ،1979 ظلت السلطات تتعامل مع هذه المنطقة باعتبارها منطقة أمنية، وهي التي تمتد مساحتها لأكثر من 60 ألف كيلومتر مربع وعدد سكانها أقل من 400 ألف نسمة . وهكذا، فبينما تبلغ نسبة المساحة 6 في المئة من المساحة الإجمالية لمصر، فإن نسبة عدد سكان المنطقة تبلغ أقل من نصف في المئة . تقييدات كامب ديفيد وضآلة الحضور الأمني المصري وضعف الخدمات الأساسية، جعلت السكان يشعرون بتغيير طفيف فقط بعد انتهاء الاحتلال . والمفارقة أن هذا الفراغ تم ملؤه بمشاريع سياحية مترفة وبؤر مسلحة لبعض الأهالي، وفي النتيجة لم يتمتع السكان لا بالأمن ولا بالرفاه، وكثير من المصريين يرددون أن سيناء باتت منطقة منسية، وبالكاد يجري التعامل معها على أنها منطقة مصرية وجزء من الوطن المصري . وقد أضيف إلى ذلك الاحتكاك بين الجانبين الفلسطيني (الغزّي) والمصري على خلفية إغلاقات متكررة لمعبر رفح، وهو المعبر البري الوحيد لقطاع غزة إلى العالم، ثم ظهور الأنفاق وهي ظاهرة قديمة نشأت أيام الاحتلال الإسرائيلي لتأمين مواد تموينية ولأغراض تجارية في القطاع ومعه، مع ما يرافق ذلك من نقل ممنوعات . مصادر متطابقة تتحدث عن وجود 1200 نفق تفي بحاجات ومصالح متبادلة على الجانبين، وكان ذلك بالطبع طوال العهد السابق في مصر .

الآن وفي عهد الجمهورية الثانية في مصر، فإن السلطات الجديدة مدعوة إلى استعادة سيناء بكل ما تحمله العبارة من معانٍ ودلالات، فالجريمة المروعة أقل ما يقال فيها إنها مشبوهة تضغط من أجل تعامل جديد مع هذه المنطقة الحيوية التي تتاخم الأردن وفلسطين ودولة الكيان الصهيوني، وتمثل الجزء الآسيوي الوحيد من مصر الإفريقية . يتعلق الأمر بتنمية اقتصادية واجتماعية، وتوفير خدمات البنية الأساسية لمئات الآلاف من المواطنين، والانتقال إلى خطة طموحة لتعمير الصحراء بشرياً، بتوزيع الثروة البشرية وبتوطين أعداد كبيرة من السكان فيها وبما يحد من الاختلال السكاني وفق خطة مدروسة مبرمجة وتنموية في الأساس، حتى لا تؤدي هذه الخطوة إلى وقوع المزيد من المشكلات .

على الجانب السياسي، من الواضح لكل ذي عينين أن العدو الإسرائيلي هو الطرف الوحيد الذي أفاد من وقوع هذه الجريمة النكراء، فمن مصلحته تسميم العلاقات المصرية الفلسطينية، والتضييق على أبناء قطاع غزة وإغلاق المنافذ في وجوههم، وتشويه صورتهم لدى المصريين، والانتقال من ذلك إلى زيادة التنسيق الأمني تحت وطأة ما يبدو ضرورة داهمة مع الجانب المصري .

ومن اللافت للنظر كما من المؤسف، أن يجري تداول أخبار تتحدث عن سماح إسرائيل بتحليق مروحيات مصرية في سماء سيناء، وكأن الحركة في الفضاء المصري مرهونة بموافقة مسبقة من الصهاينة على ذلك، وبما يسهم، حسب رؤى الصهاينة، في إشاعة انطباعات بأن الجمهورية الجديدة في مصر لا خيار لها سوى السير على نهج النظام السابق، في دوام التنسيق الأمني وفي الإبقاء على سيناء منطقة شبه عازلة، فيما يقف الجيش الصهيوني على أقرب نقطة حدودية متمتعاً بحرية الحركة والتحشيد والمبادرات براً وجواً .

في العلاقة مع الجانب الفلسطيني لابد من إرساء وضع جديد لا يعود فيه معبر رفح الحدودي عُرضة للإغلاق كلما نشبت أزمة ما، أو وقع أي حادث على الحدود، مع ما يلزم من تنسيق أمني عالي المستوى، وألا يتخذ الوجود الفلسطيني طابعاً فصائلياً محضاً (الاقتصار على وجود قوات من حركة حماس دون سواها، فالأصل أن تكون هناك قوات أمن وطنية محترفة غير فصائلية أو حزبية) . وهذا يستلزم فتح ملف الأنفاق تمهيداً لإغلاق تدريجي لها، بحيث تنشط الحركة التجارية بصورة مشروعة ومنظمة بين الجانبين، دونما حاجة إلى قنوات ومعابر شبه سرية انتفت الحاجة إليها مع زوال الاحتلال عن قطاع غزة، ومع زوال الحاجة إلى التهريب بعد انهيار النظام السابق في مصر .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"